Monday, December 6, 2010

هذي جعبتي فرغت




يادرة الحسن هذي جعبتي فرغت
فالشوق في ذاتي كيف يُحتملُ
قوافلُ الحسن قد مرت بناحيتي
فما شغلت بغير الدين أحتفل
خواطري من لهيب الشوق قافية
ونار حزني على الإسلام تشتعل
قوافل الطهر قد فرت بقسورة
وزاد إيلامي دعاة الدين منتحل
في كل زاوية أقلام تنتصب
تهجو الخلوق وتزدري الوجل
أكفكف الدمع أخفي لوعتي أملا
وأحمل الخير علَّه يصلُ
ماذا أقول وفي قلبي صبابته
ودمع قلبي بخد الحزن ينهمل
ماذا أقول لولدي حين يسألني
عن الديار وقد حلت بها العلل
صبراً بني فإن الله ناصرنا
حتماً سيزوى من به خلل
غداً ستشرق فوق الأرض أمتنا
غداً تغرد فوق الدوح تشتمل
د.إيهاب فؤاد

Sunday, December 5, 2010

إنهم يحرقون أغصان الزيتون




بقلم: د. إيهاب فؤاد

لقد بتُّ من ليلتي وكأنَّ البكاءَ فالق كبدي، لا تهدأ لي عين، ولا يفارقها دمع، يقيمني الهمُّ ويقعدني؛ لا من أجل لعاعة من الدنيا، وإنما لحال وطن ملك علينا النفس والروح، عشت ليلةً أشبه ما تكون بكابوس يؤرِّق النوم، ويفضح المستور، رأيت الحرية تُغتال، وربما لم يكن هذا مستغربًا على وطن محبوس منذ ما يزيد على ثلث قرن من الزمان، صلينا مع من صلوا، ودعونا مع من دعوا؛ أن يرفع الله الغمَّة عن مصرنا الحبيبة، حتى باتت أحلامنا أقرب للإمساك بخيوط الشمس منها إلى الحقيقة الواعية!.

لقد عزفت عن الكتابة حتى أقضَّ مضجعي مشهدُ تزوير إرادة الأمة واغتصاب حريتها؛ ليخرج من بين فرث ودم برلمان، يخلو من صوت المعارضة الذي يحمل نبض الشارع، كنت أتوقَّع تسويد البطاقات، وتزوير الإرادة، لكنْ لم يخطر لي ببال أن تكون إلى هذه الدرجة المقيتة، بقدرة قادر يتحول الحزب الذي أتاهَ مصر في غياهب الديون، وأهدر أحكام القضاء، واغتال الحرية عن عمد، ودمَّر الصحة العامة، وأغرق الشعب المسكين في البحث عن لقمة العيش، ومن لم يجد في وطنه لا هذا ولا ذاك، التمس وطنًا غير الوطن، يشعر فيه بآدميته، ويرى فيه مكانه، يتجرَّع آلام الغربة، لكنها تهون إذا ما كان الوطن كابوسًا مفزعًا، وإذا ما كانت لقمة الحرية عملةً نادرةً فيه، وتساءلت- ومعي تساءل الشرفاءُ من أبناء هذا الوطن: لماذا تدفعون الوطن إلى الهاوية؟ ومن المستفيد؟ لماذا تُصرون على كبح جماح كل تيار حر مستقل؟ لمصلحة من تدفعون الشباب إلى الفوران؟! هل تظنون أنها هي الطريقة المثلى ليفقدوا الأمل في التغيير؟!

يا سادة إن مدبر الكون عليم خبير، وإن ما نقدره على غير ما يقدره خالق الأرض والسماء، وأنا لا أعفي بحال المواطنَ الذي استكان للظلم، ولم يدافع عن حقه، ولا أدعو إلى ثورة تحرق الأخضر واليابس، لكنني أدعو إلى العقل والحكمة، وإلى فضح المستور وكشف العُوَار، وإلى وقفة ضد ما حدث، والذي يعدُّ خطوةً في مسلسل التوريث المرتقب، فمصرنا ليست قطعة أثاث تورَّث، وحريتنا ليست مطروحةً على طاولة المزاد العلني.. أنا لا أعفي كل مواطن تقاعس عن المسئولية، وألوم في الوقت ذاته أولئك الذين يعتقدون- مخطئين- أنهم بابتعادهم عن الساحة إنما يسلمون.

وفي الواقع إننا ندفع ضريبة الذل والهوان والتفريط في حقوقنا، ولعل أوضحها ظهورًا الاستهانة بأصواتنا وما نريد، ولعلي هنا أُذَكِّرُ بما قالها الشهيد سيد قطب رحمه الله: "بعض النفوس الضعيفة يخيَّل إليها أن للكرامة ضريبةً باهظةً لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هربًا من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشةً تافهةً، رخيصةً، مفزعةً، قلقةً، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُ من صداها، (يَحْسَبُوْنَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) (المنافقون: من الآية 4).. (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) (البقرة: من الآية 96).

هؤلاء الأذلاَّء يؤدون ضريبةً أفدح من تكاليف الكرامة.. إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملةً، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيرًا ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون" أ.هـ.

إننا اليوم ندفع ضريبة الجدران التي أدمنَّا السير بجوارها، والآذان التي أرعبتنا دهرًا حتى لا يُسْمَعُ صوتنا، اليوم تزوَّر الإرادةُ دون أدنى رادع، وتستباح الكرامة بوجه كالح، قاضٍ هنا يُحبَس، وداخلية هناك لا تنفِّذ أحكام القضاء، وأحكام هنا لا يقام لها وزن.

إنَّ الخائفين من صناديق الاقتراع ليسوا أهلاً لحمل الأمانة.. إن المزورين لإرادة الأمة هم العدو اللدود، وهم حجر عثرة أمام كل خطوة للتقدم، فكيف يؤتمن هؤلاء على إقرار الميزانيات، وسن القوانين، واعتماد الدساتير ووجودهم يتنافى مع الدستور، ويخرق القانون.. إنهم لا يحرقون فقط أوراق الزيتون، إنهم يشعلون الأرض تحت أقدامهم، ويؤججون النار في الهشيم.

ويبقى أن أقول لكل من تقدم لحمل الأمانة كما قال ربنا (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿139﴾) (آل عمران)

لا تحزنوا إن بذلتم الوسع ولم تروا ثمرة النتائج؛ فهذا قدر الله، احتسبوا كل وقت عند الله، واحتسبوا ضريبة الحرية عند الله، ولن يضيع سدى، وأقول للمتحمِّسين: إنَّ قدر الله غير ما نفكر، وإنَّ كل ما بذلتموه لن يضيع هباءً، ضمِّدوا الجراح، ويكفيكم أنكم قدمتم ما استطعتم والله لن يتركم أعمالكم، وأقول لمن سرقوا الإرادة وحموا المزورين: الدنيا أقصر مما تتخيَّلون، والوقوف بين يدي الله قريب، والحساب عند الله يكون لكل من اقترفت يده إثمًا وحده، لن يكون هناك واسطة، مهما طال العمر فهو قصير، ومهما كانت القوة فهي إلى خوار، إلى الله نشكوكم في يوم لا ينفع فيه ندم، وفي يوم لا تُرَدُّ فيه المظالم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

Friday, March 26, 2010

نزف القلم 2

لقد استيقظ قلمي على حقيقة مُرَّة، كانت ترجُّ نفسي رجًّا، وتموج بها وأنا بعد غض طري، لم يكد قلمي يستفيق حتى أثاره مجتمعٌ يفور بالمتضادات لا تقوِّي المجتمع بل تَهُدُّ أركانه، وتمزق أوصاله، شبَّ القلم على زمن كانت الكلمة فيه ميثاقًا يترجم صاحبه، تعالت صيحة الإعلام، وتعددت القنوات، وتشعبت المصادر، أثخنتني تجارب الحياة، وألهبت ظهري سياط الأيام، فصارت الأربعون سبعينَ من السنين، تجرَّعنا مرارة الإعلام، هلك ممن عرَّفنا الكثير، وأفضى إلى ما قدَّمَ من ناصبنا العداء، تفتحت عيني على محن لأصحاب الدعوات.
أخذتنا سنواتُ الشباب الأولى بكل ما فيها، مِلنا مع من مالوا دون أن نفرِّط في ثوابتنا، وتألَّقَ الشبابُ على نسمات دعوة مباركة، مهدت لنا الطريق، وتفتحت عليها عيوننا، وشربنا من معينها الثر المدرار، فكانت لنا سترًا من الذنوب، وحاجبًا عن المعاصي، ندين لنا لها بالولاء ولأساتذتنا الذين رسموا معالم طريقنا بالفضل، ولا ينكر الفضل إلا جاحدٌ، وكان حقًّا على من رزقه الله نعمة البيان أن يسخِّرها خالصًا لوجهه، لا يتلجلج، ولا يتقمقم، ولا يهادن أو يداري، لقد جاءت كلماتي همهمة في فضاء، ونقطة في ماء راكد حرَّكَ ما تحته، أبانت العوار، وأزاحت الستار.
لقد آلمني أن تستهدف مقدرات الأمة، وأن تراق على ثرى الأمة دماء المخلصين من أبنائها، وأن يكبح جماحَ الدعوةِ الراشدةِ سجونٌ وغياهب وأتونٌ الأَوْلَى بها من خرقوا القانون، ومن تلوثت أيديهم بدماء الشعب، ومن أثروا على حساب الفقير، ومن رقصوا على أشلاء الضحايا، وصدمتني أقلام رسفت في قيود التملق، صدئت أسنانها، وثقلت على أصحابها.

تصدرت الصحف، وتوسدت الشاشات، صدعت رءوسنا، كذبوا حتى امتلئوا، وهادنوا حتى سقط ماء وجوههم، لم يثبتوا على مبادئهم، أعطوا الدنية من أقلامهم، ينعقون مع كل ناعق، أجدبت كلماتهم، وجف مداد أقلامهم، احترفوا التدليس والتزييف، وأدمنوا التصفيق، قلبوا الحقائق، وصفوا أقدامهم خلف كل ناعق، رموا الدعاة بسهام مسمومة، وكالوا للخيرين من أبناء هذه الأمة التهم، ونسي هؤلاء:
وما من كاتب إلا سيفنى ..... ويبقى العمر ما كتبت يداه
فلا تكتب بيدك غير شيء..... يسرك في القيامة أن تراه

ويبقى رغم ظلام الليل شعاع يشق الطريق، ونور يبرق من بعيد، يحمل البشرى بفجر جديد وبنور يعم الأرض وأمطار تغسل الأدران.

Monday, March 15, 2010

قريباً نزف القلم


حين تصبح الكلمة الحرة الصادقة عملة نادرة، تباع الضمائر، وتكال التهم لأصحاب الآراء الحرة المستنيرة، وينزف القلم لأن هذا ما يبقى من حطام الدنيا الزائل، وهذا ما ينفعنا حين تطوى الصفحات وتنشر الصحف،إنني أشتاق إلى ميدان تكون فيه الكلمة سيفا يقطع رقاب المتملقين، وبسلماً يشفي المرضى، ورحمة تمسح هموم المهمومين، لقد عشت يا أخي أبحث للكلمة عن وطن تأوي إليه لتكون حرة طليقة، تخرج بلا حساب لتبعاتها أو خوف أو وجل ، عشت أستشعر صدى الكلمات الشجية كحزن الغجر والرقيقة كضحكات الصبايا, وصرصرة الناعور وخرير الجداول ،كندى السحر على جفون أزهار برية قبل أن ترى النور لتستفيق، كخفقات القلب المسرعة بعد كل موقف تمتص عصارة الدم المسكون فلا يبقى عبق سوى كلمات أنثرها وروداً فى كل بستان ، ولحناً على كل شفاه حتى أبصرت كلماتى عيوناً أبصر من مئآت العيون المليئة بالقذى, وأرق من قلوب أقسى من جلود الضباع عندما تحترق الغابة! ويندر المطروينتحرالورد والشجر .قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ....... وينكر الفم طعم الماء من سقم
فسال دمعى وانتفض قلمى ليحمل الأمانة وهو يسير على الدرب وليكسر حاجز الزمن متخطياً كلَّ الصعاب والمشقات، فيغسلنى ويثلج صدرى ويريح قلبى .... لقد جاءت كلماتى وليدة مشاعر جياشة وأحاسيس سكنت بين الضلوع فكانت زفرة وهمهمة كل مافيها هو نبض قلبى وبعض من فيض عطاء الله حملته الكلمات والمواقف وكلى أمل أن تكون درباً إلى الجنة وأنْ تكون طوق نجاة فى الدنيا و نعيم فى الآخرة "يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (الحديد:12)
د.إيهاب فؤاد

Saturday, March 13, 2010

قطرات الندى

ما أروع قطراتِ الندى التي تبلل الأزهار والأوراق والأشجار مع غيمة من تباريح الليل وفجر النهار كأنها حبات لؤلؤ أو كنقط من العنبر ، ما أجمل أن نستلهم من البكور الجمال ومن إطلالة الفجر سر السكينة والوداعة على ربوعنا المتخمة بما يؤرق سكونها فيجعلها تخوض عباب البحر ولجته حتى ترسو إلى شاطئ آمن وهانئ....لماذا نفكر فى الرحيل مع قطرات الندى وهى ملجأ الهائم الباحث عن الجمال على سجيته وطبيعته الأخاذة وعلى فطرته التي لم تمتد إليها أيد بسوء لتلوثها....ما أبلغ قطرات الندى حين تطل على مواكب المسافرين فتشعرهم أن طريق عودتهم قد مُهِّد وأن السبيل إلى الديار أصبح مفروشا بالورود والرياحين...أستلهم من قطرات الندى صفاء الروح وهدوء والنفس فيحيا في قلبي أمل أنه مازال في الكون ما نرقبه بقلوبنا قبل عيوننا وما يمكن أن نزفه بأرواحنا وأن نسقى به أرضنا المتعطشة إلى حبات من ثرى الوطن وإلى نسمة من هواء أتلهف إلى أن أستنشقه......لكنني أتساءل عن سر عن لون هذا الندى الموسميْ وعن تلك الجبال والذرى التي تنوء بحمل السفوح وعن كآبة الغيوم التي طالما أشعرتني بدفء الوطن، لماذا ينوح الندى فيبدو حزينا، لا يجد من يداعبه أو يحاكيه أو يبثه فيض خاطره وصميم مشاعره، مازلت أذكر جمال تلك الأيام الخوالي حين كنا نهز أوراق الزهور والأشجار مع تباشير الصباح وإطلالة الشمس في خلسة لتملأ الكون نورا وضياء، كم كانت تنزل قطرات الندى باردة وغضة طرية على أوراق عطشى فتبدل ذبولها إلى اخضرار وتحيل حزنها إلى بهجة تدخل الروح والقلب في عالم من فيض عطاء الله، مازلت أذكر قطرات الندى التي لم أرها منذ سنين غدت من طولها عجافا وأضحت من شوقي إليها ضربا من الخيال،ما أجمل قطرات الندى التي تلثم جراح الشوق إلى عزيز أصبحت لقياه كمن يحاول أن يمسك بخيوط الشمس أو يناطح السحاب أو يلتف بثوب من النجوم..هل ألوم الندى أم ألوم نفسي التي لم يعد في قوسها منزع ولم يعد في همتها قدرة على البعد عن ديار عزيزة غالية تذكرني رؤيتها بكل جميل في كون الله الفواح وفضائه الفسيح...آه يا حبات الندى هل أضحى لقاؤنا قريباً لنبدد قسوة الأيام في غربتنا ولنحيل الحياة بهجة ؟ حين تعود لقطرات الندى البهجة سيعود كل شيء إلى سابق عهده، ستصبح الفطرة سوية كما كانت وستغدو النفوس بريئة لا تحمل ضغينة ولا تبكى على دنيا وسيصبح شغلنا الشاغل أن نعيد الحياة إلى الأرض من جديد.....
د.إيهاب فؤاد

Tuesday, March 2, 2010

الدُّرُ المكنون

يتيه القلب في غفلة ، وينقطع النَفَسُ وصاحبه يلهث وراء الدنيا، وتضيع أعمارنا وقد نحقق ما نصبو إليه وقد لا ندركه، تفنى الصحة، ويزول الشباب، وتتوارى العافية خجلي خلف برقع العمر وتعاقب الأعوام، ويصبح الأخضر يباباً، يكبر الصغير، ويهرم الكبير، ويشفق على نفسه المفرِّط وهذه سنة جارية إلى قيام الساعة، لكن هناك معالم على الطريق لا تخطئ أصحابها، ولا تنفك عن طالبيها، وهناك أناس يمدوننا بالأمل، ويبثون فينا روح العمل، يُحلِّقون في سماء الهمة، ينافسون الصقور في أعلى الذُرا، ويزاحمون الشياهين في فضاء رحب، لا تتوقف حياتُهم، يبكرون مع الطيور،ويطلبون الرزق من جواد كريم، يحتسبون الأجر إذا عزَّ في الدنيا، ويطلبون المغفرة وإن لم يقصروا، يعلموننا الثبات دون أن يتفوهوا بكلمة، ويلقون على مسامعنا دروساً دون أن ينطقوا ببنت شفه، أحسبهم ذلك الجيل الفريد، الذي صنعه الله على عينه، تحمل الشدائد، وصمد أمام أعتى الرياح، تشبثوا بالبيعة في أعناقهم حين تهاوى غيرُهم، ذاقوا الموت كريماً تحت سياط الجلاَّد، قضى منهم من قضى وهو لم يغير ولم يبدل، وصمد منهم من اصطفاه الله تعالى، ضربوا أروع الأمثلة في التضحية ووقف حياتهم لله، مواقفهم معنا لا تنسى، ونهجهم في التربية مثل يُحتذى، حال الواحد منهم بين قائم، وراكع، وساجد،ترى لهم قوة في دين، وإيماناً في يقين، لله درهم، إنهم جيل التضحيات في الدعوة الراشدة، حياتهم العادية مدرسة في العلم، وما يظنه غيرهم مما لا يُؤْبه له إرث تربوي ضخم، أذكر أحدَهم أمدَّ الله في عمره، وبارك همته، ضربت يوماً أكباد الإبل طلبا للعلم حتى حططت رحالي بذلك البلد فهاتفته وقلت له أستاذي أنا في المطار، وكانت المرة الأولى التي هاتفته فيها في حياتي، فقال عليك بنية الرباط في سبيل الله، ثم قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل امرئ يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه يجرى له أجره إلى قيام الساعة" فتعجبت من هذا الفقه، ولما قابلته وجدته يحمل شعار صدقة المليون، وهو دائم الذكر، لسانه رطب به في غير توقف، إنها ربانية فطرية غير مصطنعة، تحملوا عبء الدعوة في زمن جَبُنَ فيه الكثيرون، وضربوا أروع المثل في زمن بايع فيه غيرهم، وإذا بالأقلام السافرة تحاول تشويه مسيرتهم وتنعتهم بصفات تلقى الرعب في قلوب من يتعاملون معهم، تارة يسمونهم بالقطبين، نسبة إلى شهيد الدعوة الأستاذ سيد قطب، وتارة أخرى يقولون إن من بينهم إصلاحيين، وليبراليين،ووو ...، مسميات ما أنزل الله بها من سلطان، وسيبقى هؤلاء عبقا يعطر سماءنا، ونوراً يبدد غياهبنا، وأملاً يأخذ بأيدينا، وسنداً بعد الله يعيننا، إنهم الدر المكنون، والكنز الذي تغتني به النفوس، يقطعون الأرض وثبا وركضا لايبالون بأذى يلحق بهم ، ويحتسبون في صمت ، ويعلمون في رفق ولين ، ووجه تتلألأ بالنور، ولعلي هنا أذكر ما يُرطِّبُ الفؤادَ من تلك الثقة المتناهية التي حملها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم كان على المسلمين عظيما، يوم صدع بها سعد بن معاذ رضي الله عنه في يوم بدر حين جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ليشاورهم في الأمر وييمّم وجهه الكريم شطر الأنصار ويقول: " أشيروا عليّ أيها الناس.." ونهض سعد بن معاذ قائما يقول: " يا رسول الله.. لقد آمنا بك، وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنافامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك.. ووالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا.. إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء.. ولعلّ الله يريك ما تقرّ به عينك... فسر بنا على بركة الله"... تألق وجه رسول الله بشرا وفرحاً فكانت كلماته بلسماً على القلوب، وبرداً وسلاماً على النفوس "سيروا وأبشروا، فان الله وعدني إحدى الطائفتين.. والله لكأني أنظر إلى مصرع القوم".. إنها كلمات حفظتها ذاكرة التاريخ ووعتها لجيل وَعَدَ فصَدَقَ، وعاهد فوفَّى ، ومات ولم يغير ولم يبدل، ثبتوا على الحق أمام عتاة الجاهلية، وأراقوا دماءهم زكية وشعارهم " وعجلت إليك رب لترضى" ، أوراق تسقط حين يأتي دورُها وتفيض الروح إلى بارئها مهما طال العمر أم قصر، ولقد أسال موت سعد رضي الله عنه على إثر إصابته في غزوة الخندق مدامع أصحابه وهم يوارونه الثرى ، ويحفرون قبره، يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: " كنت ممن حفروا لسعد قبره.. وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب، شممنا ريح المسك.. حتى انتهينا الى اللحد".. وكان مصاب المسلمين في سعد عظيما.. ولكن عزاءهم كان في بشارة حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم حين سمعوا رسولهم الكريم يقول: " لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ
أولئك آبائي فجئني بمثلهم.....إذا جمعتنا يا جرير المجامع..
،بارك الله أعمارهم ، وبارك أعمالهم، وبارك جهادهم، ومتعهم الله بالصحة والعافية ما أحياهم، وألحقهم الله وإيانا بحبيبه ومصطفاه محمد \

صلى الله عليه وسلم غير مبدلين

د.إيهاب فؤاد

Tuesday, February 9, 2010

غمامة مشاعر تظلّـل صحراء الحياة



غريبة تلك المشاعر التي أودعها الخالق العظيم عباده، منهم من أكرمها وأنزلها من نفسه منزلة الروح من مشاعره كزخات المطر وحبات اللؤلؤ المتناثر فوق الرؤوس فستريح النفس في واحتها، ويسكن هياج القلب عند بابها، إنها مشاعر الحب التي يسمو بها الإنسان على غيره من مخلوفات الله، يحلق بها وسط الغيوم، ويمخر بها عباب البحر، إنها ماء الحياة في صحراء الحياة، ونور العين في ظلام الحياة الدامس، ونبراس المهتدين حين يضلوا الطريق أو تهوي بهم الريح في متاهات سحيقة

وعجيب أمر ذلك الإنسان والأعجب تلك الرقة التي تتحرك حين يسمع كلمة طيبة، أو يرقب نظرة وديعة، أو تعانقه لمسة حانية فينقلب بها كيانه ويتغير بها حاله، أنا من ذلك الصنف من الناس الذين يعشقون الكلمة الطيبة، وتفعل بعهم فعل السحر، وتغير مناحيهم في الحياة ابتسامة لطيفة تقتحم جذور الحنين، وتفجر طاقات هائلة، عشقي للكلمة الجميلة والوردة المتمايلة يفوق عشقي لأي شيئ في الحياة

طبيعتي تؤرقني أحيانا لكنها تلبسني أثواباً من السعادة ربما يبحث عنها الشعراء في دواوينهم، أو يلتمسها العشاق في أسفارهم وحلهم وترحالهم، أحينا تخذلني الكلمات، وأحيانا أخرى تأخذ بيدي

تروادني الكلمات عن نفسها، ويداعبني القلم في أحلامي فأهرول لأبثه ما بنفسي

تغلبني الأشواق إلي أحبابي وأنا بينهم، إلى رفاق الصبا الذين أفتقدتهم في زحمة الحياة، أمواج هادرة من المشاعر تسيطر على كياني

وأنا أحمل حقيبة على ظهري، أدمن الترحال، ولا أعرف الراحة أو الإستقرار

تغلبني دموعي كثيرا، ويهدهدني الشوق

أحمل حقيبتي وأغادر واحتي إلى عالم جميل في معانيه، أشتاق إلى حتى من معي ومن حولي، كأنني لم أرهم منذ زمن

أذوب شوقاً لزمن لن يعود، وأهيم عشقاً لأيام قد سقطت من ذاكرة حياتي بفعل السنين وتباعد الأيام والأحداث

وتبقى مشاعري غمامة تظلل صحراء حياتي