Monday, February 14, 2011

مصــــــــر المحروســــــــة


مصـــــر المحروســــة
لطالما كتبنا عن مصر المنهوبة، ومصر المحبوسة، ومصر المغلوبة على أمرها، آن لنا أن نرد الأسماء إلى أصولها لأن الاسلام اعتنى بقضية الأسماء والمسميات عنايةً فائقةً ، وحرص أن يعطي للأسماء مدلولاتٍ واضحة ، وللمسميات معاني صريحة و ما ذلك إلا لأن التلاعب بالأسماء والمسميات أمرٌ ليس باليسير؛ وقد يترتب عليه الكثير من المفاهيم المغلوطة ، والنتائج غير المتوقعة . آن لنا أن نقول بملء الفم مصر المحروسة، المحروسة بأبنائها، برجالها، بشبابها، بمسلميها، بمسيحيها، بشركاء الوطن، وشركاء المصير، لقد عادت الأم لتحتضن أبناءها، عاد لمصر بهاؤها في فترة وجيزة من الزمن، تسارعت فيها الأحداث، تكاتفت فيها الأيدي، سالت فيها دماء، وهدمت فيها قلاع، وشيدت فيها صروح من المجد،هذه هي المرة الأولى التي تؤثرني فيها الشاشة الصغيرة لتليفزيون المصري في برنامج مصر النهارده لفترة زادت على الثلاث ساعات، حتى انتصف الليل، وغارت النجوم، وهدأت العيون، ونام الكثيرون، تألق الإعلامي محمود سعد على بساطته وهو يقدم برنامجه بتواضع جم، وبحنكة رائعة، تحدث فيها عن عام الأمل والتغيير ، وعن عام تسطير التاريخ، وعن جرأة الشباب والشجاعة، إنها اللحظة التاريخ التي ينحاز فيها التليفزيون إلى الشعب المصري، يناقش قضاياه، المعارضون للنظام المهترئ يملأون الأسماع، الروائي العالمي الدكتور علاء الأسواني، كوكبة من شباب مصر،أذهلتني ثقافتهم، وأستوقفتني مفاهيمهم العالية ومطالبهم الراقية، الدكتور عمرو خالد، مداخلة رائعة من مدير إدارة الشؤون المعنوية، تاريخ يسطر، نادي برشلونة العظيم يقف دقيقة حداد على أرواح الشهداء المصريين، صحفي يطالب رئيس وزراء بريطانيا بتدريس الثورة المصرية في التعليم البريطاني، لقد أسمعت مصر العالم، لطالما قلنا صُمَّت أُذُنُ الدنيا إن لم تسمع لنا، تحول تاريخي، روح وثابة، دماء الشهداء التي قدمها الشعب بسخاء، دفعها كل الشعب ، تحملها الآباء، والأبناء، إنها الروعة في أسمى معانيها، أنغام يناير التي دوى صداها في كل محفل، توقفت عقارب الزمن ثم استأنفت عملها بعد ثمانية عشر يوماً كانت هي الأعظم والأكثر روعة في التاريخ المصري، وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبني قواعد المجد وحدي، وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي، لقد حان وقت الحصاد، حان وقت التغيير، فلتكن الثورة على الخمول والكسل، والبطالة، فلتكن ثورة على القعود واالتصاق بالأأرض، فلتكن ثورة لتعود مصر درة الشرق، وتاج العلاء، آن للثوار أن ينزلوا إلى ميادين العمل، آن لكل مصري أن يجدد ولاءه لمصر، وأن ينفض عنه غبار النوم.
د.إيهاب فؤاد

Saturday, February 12, 2011

صباح الحـــــــرية

إنَّ القيود التي طوَّقَت الأعناق، والأغلال التي تركت أثرها على صفحات الحياة، والأحمال التي تركت الظهور معوجة فترة من الزمن سرعان ما تلاشت وتبددت في صباح نسيمي جميل، عطره دم الشهداء الذين دفعوا الثمن طيبة به نفوسهم، استهانوا بالحياة فكان الخلود الأبدي في مقعد صدق عند مليك مقتدر، الأقزام الذين تطاولوا على كل حر شريف وسفَّهوا آراءهم، وشوهوا معالمهم، صوروا الشباب كدمى متحركة، فقدوا الانتماء، وانشغلوا عن الهدف الأسمى بما يقتل أوقاتهم كانوا شعلة وضاءة، وقامة عالية، صمدوا حين حاول الإعلام المزري في زمن القهر أن يقلل من دورهم، وحين حاول بقايا وأزلام الرجال وأشباههم أن يفقدوا مصر وعيها، وهي التي عاشت شامخة أبية، عزيزة عصية على كل معتد، من رامها بسوء قصمته، وسولت نفس الطاغية له أن يمتطي الشعب على مدار عقود ثلاثة أشبه ما تكون بكابوس، خلَّف وراءه فقراً، وجوعاً وأمراضا فتكت بالشعب جراء المواد السرطنة، وطبقة كادحة تبحث عن لقمة العيش ليسد جوعها، ماتت الطبقة الوسطى ولم يبق في مصر سوى طبقتين، احداهما امتطت صهوة جواد الثراء على أشلاء الشعب المغلوب على أمره، استعملت كل أسلحتها الفتاكة لإحباط الشعب، فكان الإعلام المسموع والمرأي والمقروء بوقا لنظام مستبد، وكانت البلطجة سلاح أشباه الرجال، وكان التزوير ساحة نزال ، وطبقة فقيردة معدمة ، تصارع من أجل البقاء، وتنفي عمرها بحثاً عن لقمة العيش، تراكمات عبر سنوات طويلة اختزلت في ضمير الشعب على مدار الثلاثين من السنين حتى انطلقت الشرارة التى سبقها بعام انتفاضات متقطعة، وتمرد من هنا وهناك، دغدغت العظام ، وأتت على كهولة النظام ، تصدت لنظام أمني وقمعي، حملت معاول الهدم لتقيم على أنقاض المتآمرين قصورا، ولتبني لمصرنا صروحا من المجد، عادت القامة عالية، وتنفست الدنيا الصعداء، فإن قامت مصر قامت معها الدنيا، ترقب الجميع ما يدور داخل الحلبة، حاول الطاغية أن يلعب على وتر الشعب العاطفي بالفطرة، المتسامح بالسليقة، الخالي الوفاض إلا من العزة، تارة يصرخ أنه قد وعى مطالب الشعب المشروعة، متى وأين؟
أين كان ذلك الوعى منذ سنوات طويلة؟ أين كانت تلك الرغبة الجامحة في أن تكون مصر بلد المحيا والممات؟ لماذا لم تعمل لهذه الساعة، وكأني بأهل البغي تعساء، حتى قبورهم عليها هوان الذل بين المقابر.
لقد أوقفت مصر الدنيا، حبس العالم أنفاسه، ترقب الملايين عبر الشاشات وعبر الشبكة العنكبوتية ما تسفر عنها المواجهة الغير مسبوقة، بين شعب مزقه الغلاء، وضربه الفقر، وهده المرض، وكتم أنفاسه الظلم والطغيان، وبين طغمة حاكمة تسيطر على مقدراته، وتنثر خيرات الوطن تحت أقدامها، داست في طريقها كل قيمة، وأهانت في طريقها كل مبدأ، أصبحت الأمانة بينهم عملة نادرة، خرج الأقزام وتوارى العمالقة لأنهم لم يجدوا ضالتهم بين ذويهم وأهليهم، طال الليل، وتعاقبت الأعوام، فنيت أجيال، وولدت أخرى، ولم يدر بخلد أحد أن لكل شيئ إذا ما تم نقصان، وأن الدنيا إذا أضحكتك فغداً ستبكيك، أضحكتهم الدنيا قليلاً ، ثم بدأوا يتجرعوا كأس المذلة والمهانة، حين وقف الشباب يدافع عن حريته بحياته، حين وقف الشباب يروى ظمأه وغلته بدمه الطاهر النقي، تلاحم الشعب ، صغاره وكباره وإن كانوا كلهم كباراً، رجاله ونساؤه، مسلموه ومسيحيوه، جسد واحد، يد واحدة، ولعلي ذكرت حين تحدثت عن الثورة الخضراء في تونس أن المراهن على الشعب هو الفائز الحقيقي، وأن المراهن على السلطة، والبطش، والقوة قد راهن على حصان أعرج في حلبة السباق، اليوم يسطر التاريخ صفحة جديدة، دعوني أقول أنها أول السطر، ويسدل الستار على حقبة مريرة ولعلها تكون الأخيرة في قاموس الطغاة، لقد كسر الناس حاجز الخوف، كانوا دروعاً واقية حين ترك مغاوير الداخلية أماكنهم ليبثوا الرعب في قلوبهم، وكانوا حصناً منيعاً حين اجتاح طوفان الطغيان الأخضر واليابس، انهارت منا الدموع، وجافت عيوننا ساعات النوم ولا نملك غيرها، نحن الذين تجرعوا الغربة، ورضينا بالسفر سبيلاً للتخلص من متاعب الحياة وهمومها، سجدنا مع من سجدوا، وصلينا مع من صلوا، ودعونا مع من دعوا أن يزيح ربنا الغمة، وألا يرد الجموع الهادرةإلا وقد شفا غلتها، وحقق مآربها، وقضى ما خرجت إليه، ولعل الهغ استجاب دعاء المصلحين، أو دعوة أم رءوم، وأم ثكلى دعت بحرقة أن يقتص الله لها، لقد جاءت قاصمة للظهر، وكاشفةً للستر وفاضحة العوار، فخرج من مصر ذليلاً مهاناً، تشبث بكرسيه فلم ينفعه تشبثه، واحتمى بجنوده فلم يغنوا عنه من قدر الله شيئاً، توسل إلى الشعب بتاريخه فلم يصادف ذلك أذنا تسمع، والتمس ثرى مصر مأوى له فلم تذرف عليه دمعة، وتلك نهاية كل طاغية.
إننا اليوم لسنا شامتين، لقد حققت الثورة هدفها الرئيس، ويبقى أن تحرس ما جنت، وأن تحافظ على مكتسباتها، يبقى أن ننطلق بنفس الحماس لنعيد لمصر مكانتها، يبقى أن ينطلق الشباب بهذه القوة والفتوة إلى ميادين العمل ليعيدوا مصر إلى سابق عهدها، تاج العلاء ودرة الشرق، إنَّ ما هو آت لا يقل بحال عن ما ماضى وسلف، إن مصرنا جديرة بريادة الدنيا كما كانت جديرة بأن تكون أما لها، مصر حاضرة التاريخ، وقبلة العلماء لا يصح أن تظل قابعة خلف أسوار الزمن، ولا يصح أن تكون خارج خارطة التأثير، آن لمصر أن تدفع القاطرة وأن تتصدرها، آن للشباب أن يقدموا لمصر ما يعلي من شأنها، فإلى العمل، وإلى الجد، وإلى غد مشرق وصباح وضاح، ترفرف على جنباته رايات الحرية، حمى الله مصر، أرضاً وسماء، وشعباً ووطناً.
د.إيهاب فؤاد

Monday, February 7, 2011

الفرج القريب


جفَّ مدادُ القلم أمام أحداث جسامٍ مابرحت تختلس من الدروب عنفوانها ،وتستمطر الموت فوق هامات الحفاة! وهى تمد أيديها المثخنة بالجراح، وتفتح ذراعها المبتور من الألم على حال أمتنا الثكلى، فتنصت الآذان وتُؤْخذُ الأعين! وهي لا تدري حتى الساعة بأي ذنبِ صمتت وبأى جريرة أُخِذتْ !!
إنَّ من بواعث الهمم، وتجديد العزائم، وانتعاش النفوس بعد اليأس ، أن نترقب فرجاً قريباً وأملاً أضحى قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، أن نشعر أنه بعد كل ليلٍ طويل ، يأتي فجرٌ مشرق بنور الله،على يد كوكبة من المؤمنين الصادقين العاملين، المتجردين لله تعالى، كوكبة ينضوي تحت لوائها من تجرعوا مرارة الصبر على المحن المتتابعة ،ومشقة مجاهدة النفس، و من تفطرت أكبادهم قهراً حتى ظنوا أنَّ النصر أضحى ضرباً من الخيال، ثم مالبثوا أن عادوا إلى رشدهم ، و تألقت أرواحُهم أملاً فى يوم جديد على بقعة جديدة ، وليكن من تمام إيماننا وسلامة عقيدتنا أن نترقب نصر الله تعالى وأن نلتمس تمكينه فى الأرض، فى تحقيق ماكنا نصبوا إليه، ماكان بالأمس حلماً وأضحى حقيقة تراه العيان،ما كان بالأمس كخيوط الشمس الذهبية، لاتمسك به، حتى بتنا نترقب إطلاله ليجدد العزم..
لقد عشت حياتى أتأمل قمم الجبال وأرقبها بنفس نهمة شغوفة كى تتسلقها وتجتازها، فإذا ماواجهتني الصعاب أزلتها وأنا التمس من الله القوي العون والنصر والسداد، كم ليالى أمضيتها أقلِّب فى أمهات الكتب ، ثم أقلِّب وجهى فى السماء سائلاً المولى أن يلهمني رشدي وصوابي حتى أحقق ما أريد، كم دموع ذرفتها لقلة حيلتي ولضيق صدري ، فإذا برحمة الله تمسح حزني وتزيل همى...
كم أمل عاش يطاردنى فى ليلى ونهارى فأعمل مافى وسعى لأحققه فإذا ماحققته تطلعت إلى غيره...
لقد تنفست أريج الهمة من سير الصالحين والتابعين وتعلمت كيف يصبح المستحيل واقعاً من سير الأنبياء والمرسلين، فبت من ليلي وهمتى هى زادي، وعتادي، تعلمت فى مدرسة الهمة أنََََّ ترقب النصر هو مفتاح التمكين فى الأرض، وأن التبعة الملقاة على عاتق أهل الحق، أن لاتفتر عزيمتهم، وأن لايكلَّوا من العمل الدائم المستمر حتى تتحقق غايتهم، لأن وراثة الأرض تعني أن تتحقق الخلافة فيها ولن ينجح المستخلفون بعزائم واهية وقوى خائرة، فهى تحتاج إلى عزمٍ شديدٍ وإلى نفس لاتركَنْ ولاتُهادن، ولاتستريح حتى ترى مقعدها من الجنة،
صدق ربنا القائل فى كتابه الكريم: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"
فالنصر يحتاج إلى جيل رباني، ينفض غبار النوم والكسل، يربط حبله بحبل الله المتين، يقوم حين ينام الناس، ويكتحل بالأمل حين ييأس الناس، ويزمجر حين يخبو صوت الناس، ويكون النصر بجيل يُقبل على العبادة وينهل من الطاعة وهو يستشعر التقصير،ويحبوه أملٌ في مزيد من القرب من الله ونُصبَ عينيه حسن الظن بالله تعالى، الربانية تعني في أبسط صورها أنَّ كل أمر مصدره الرب سبحانه وتعالى، والرباني هو الذي يلتزم ذلك المنهج في كل أمر من أمور حياته، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً }النساء174
قال الله تعالى: كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران
79].
إنَّ الأمة أحوج ماتكون إلى رجال الليل الأتقياء البرره، الذين إذا أقسمَ أحدُهم على الله لأبره، بأمثالهم تنتصر الأمة، وبأمثالهم تعود الأمة إلى سابق عزها، والربانية تحتاج إلى عمل حقيقي، وإلى حسن توكل على الله، وإلى همة عالية، فطالب الجنة لا ينام.
د. إيهاب فؤاد