Saturday, May 30, 2009

على ضفاف الذكرى


في مشوار الحياة يقف بنا قطار الزمن في محطات عديدة، وقد ينطلق دون أن يتوقف لحظةً ساعتها ندرك أن ماقطعناه من مسافات ، وما تخطيناه من عمر قد ولي مسرعاً دون أن ندرك قيمته، نلتقي أناساً، نألف بعضَهم ويألفنا بعضُهم، وتستوقفنا مواقفُ وأحاسيس، نصدق حينا، ونتجمل أحياناً، نبتسم حيناً ونتألم أحياناً، نضحك حيناً ونبكي أحياناً، نتعثر حينا ونقف أحياناً
نكبوا ثم نقف، نتلعثم ثم ننطلق، ويبقى في الذاكرة من حفروا أخاديداً تستعصي على النسيان، والعجيب أننا قد ننسى من أسعدونا لكننا أبداً لا ننسى من سببوا لنا يوماً ألما، ومن أسالوا يوماً دموعَنا، قد ننسى من أسدوا لنا معروفاً لكننا أبدا لا ننسى من مزَّقوا قيمنا، ورقصوا على آلامنا، وشربوا نخب سكرتنا وغفلتنا، هنا يصبح حجم الدهشة باتساع الأرض ، ويصبح حجم الخوف بارتفاع السماء، ونصرخ من أعماقنا، لماذا تنقلب الصورة ويتغير الزمن ؟ لماذا يكافؤنا البعض بعضِّ أيدٍ امتدت لهم يوماً ، ولماذا يطفؤوا نوراً أضاء لهم يوماً ؟
لماذا لا يستوقفنا أن نردَّ الجميل لمن أهدوا لنا عيونا، ولمن صَححوا لنا مسارنا، لماذا يجحد الإنسانُ أقربَ الناسِ إليه، لماذا تتغلبُ بشريتُنا على الملاك الكامن في نفوسنا..
قبل أن يروعنا المساء بظلامه الدامس وحلكته المميتة..
قبل أن نسرع الخطى لاهثين...
قبل أن نعد مابقي من أعمارنا في حسرة وندم، علينا أن نقيم حياتنا، وأن نعدِّلَ مسارنا، وأن نصارح أنفسنا أمام مرآة لا تخدع، كفانا كلاماً فقد مضى زمن الكلام، وكفانا ألحاناً فقد أصمت الآذانَ الألحانُ، كفانا تصنعاً فقد أثقلنا رداءً لا يليق بنا.
مازلنا نبحث عن بصيص من نور نستلهم منه إشراقنا، وعن شعاع من شمس يبدد غياهب حياواتنا
نصارع الأملَ ، ونرتشف الحلم، وننام على أجنحة من الحب ترفرف فوق ربوعنا، وتحلق فوق سمائنا .
عجيب أمر الإنسان !!
رافقت الشمس في غروبها دهراً ، كانت سلوتي وسعادتي، كنت أرقبها طفلاً بين أشجار النخيل وهى تتوارى خجلاً رويداً رويداً
عشقت اللون الأخضر في مساحات الأرض، أرى فيه حياتي وراحتي، أبثه همومي، وأحاكيه كما أحاكي خلاني واصدقائي، بيني وبينه رابطٌ لا أعلمه، كلما سنحت لي فرصة لا أضيعها، اذكر أنني مازلت على عادتي القديمة إذا التقيت اللون الأخضر يصافح وجه المياه يتوقف من حولي كل شيئ، لا زلت كما أنا لم أتغير، كلما سنحت لي فرصة لزيارة الريف المصري الجميل لا أضيعها، أختفي عن العيون، قد أخرج من الصباح ولا أعود إلا حين تختفي الشمس، ينشدونني للغداء فلا يجدونني، يغار كل من يعرفني من تلك الطبيعة الأخاذة التي تنسيني أحبابي في لحظات، فهي معشوقتي التي أرتمي في أحضانها كلما هدتني الأيام بمتاعبها، وكلما تكالبت عليَّ الأحداث، وكلما رغبت في أن أخلو بنفسي، تحضرني الذكرى وأنا ألتحف السماء، وافترش العشب الأخضر، وأحلَِّق بغير أجنحة في ملكوت الله، أسبح بخيالي بعيداً ، أرقب الطيورَ في تحليقها، يعبق كياني بالنشوة، وتسكن في أرجائي البسمة، وأتنهد تنهيدة تخرج من أعماقي، تهدهد غفوتي الواعية أنفاسُ حرَّى فإذا بي أنادي يا الله، ما أعظم خلقك، وما أجمل صنعك، وما أجحدنا بنعمتك ؟

د.إيهاب فؤاد

Wednesday, May 20, 2009

كل عام وأنت حبيبتي

كل عام وأنت روحي ومليكة قلبي، ألملم الصقيع في لياليك الجميلة، وأزرع البساتين في دروبك المهيبة
وأنثر العطور حول وجهك الصبوح، كل عام وأنت مني وأنا منك، نستنشق الهواء العليل، تشربين فأرتوي، تنامين فأستريح
تأوين إلى فراشك فأرقبك، أتفرس تقاسيم وجهك وملامح النور التى كستتك فأزداد بك بهاءً
كل عام وأنت النور الذي تستمد منه الشمس بهاءها، والدفء الذي تستمد منه الليالي عنفوانها، والدماءَ التي تُضَخ فتحيي قلبي الميت، كلَُ عام وأنت الروح لجسدي الخامل...
كل عام وأنت بلسم لجروحي، وشفاء لأسقامي وعللي، ودواء لدائي
كل عام وأنت مُلهمتي، تُعطي بلا حدود، وترحم دون قيود، وتُغدِق دون انتظار لشكر أو جميل
كل عام وأنت ضياء أيامي، ومهبط أحلامي ومفردات قاموسي
الندى أنت في صباح جميل، والرحيق أنت في ليالي الربيع، والكون أنت والأمان حين تجور الدنيا، والجنة أنت حين تزل القدم
كل عام وأنت أمنياتي، وأفراحي، كل عام وأنت في قلبي وعقلي وروحي وكياني نعم المعلم والمرشد
كل عام وأنت بألف ألف خير يا أعز من عَرَفْت، ويا خير من نظرت إلى وجهها، ويا ملاذي الآمن
كل وأنت بخير يا أمي الحبيبة
أصالح معك أيامي، وأبني بدعائك أحلامي، وأشيد ببركاتك قلاعي، وأحيي بنبراتك موات قلبي
أحببتك يا أمي ولم أكن لأوفيكِ حقاً، إذا غبتُ عنكِ تلفهتِ علي، وإذا جفاك قلبي الجاحد حنوتِ علي
كم من ليالي أمضيتيها من أجل راحتي، وكم من ساعاتٍ وقفتِ فيها بين يدي الله تتمنين وتلحين أن يبارك غرسك
فاللهم لك الحمد
أغناني يا أمي حبك عن نساء الدنيا، وعوضني حضنك عن أيام غربتي، وسني حياتي المتعبة
إذا جافاني البشر كُنتِ لي صدراً حنوناً، وإذا قستْ علىَّ الأيام كنت لي معيناً
وإذا أجهدتني الأيام أنام على صدرك لأستريح
كل عام وأنت بألف ألف خير ياحبيبة القلب وريحانة حياتي
كل عام وأنتن بألف خير يا أخواتي الكريمات زوجات، وأمهات وبنات، ولقد تأخرت في كتابتها حتى أخالف العادة
د.إيهاب فؤاد

Friday, May 8, 2009

أيها الساكن قلبي

أيها الساكن قلبى ودمى لست أدرى ماالذى جدد فى القلب شجنى ونكأ جراحه بعد طول سنين، رغم طول الشوق ولهفة الحنين..أيها الساكن قلبى، يا من استوطن مساحاتي ،وغرَّد فى حناياى ، وانـتشى في لحظات صمتى ودوامة عمرى، واستقر في اوردتي ،وجرى فى شرايينى، وسرى فى جنبات نفسى، وسبح في أوديتى وأنهارى ، وتدفق في بساتـيـني ، وامتزج في كـياني، واختلط بعظمى ودمى....أيها الساكن، كيف تعيش وحدك، لست أدرى؟لست أدرى كيف أعيش فى بعدك وحدى ، لست أدرى!!عشرون عاما خطت السنون على وجهى خطوط حزن ومجرى دموع وصدى آهات وآلام لبعدك مذ خلفتنى أصارع الحياة وأنا فى مهدها وتصرعنى الأيام وأنا وليدها،كُنتَ لى واحة من الحب غنَّاء،ونسيماً عليلاً وصدراً حنوناً، وأملاً أن أرسم البسمة على وجهك يوما..ايها الساكن نفسى لست أنسى يوم ودعتنى وأنا المبتسم وإذا بأنهار من الدموع تملأ عينى وتشعل قلبى وتمحو بقايا من لحظات فرح انقطع صوتها وتمزق صداها فى نفسى،اغرورقت بالدموع عيناى وأنا أحتضنك ولم أكن أدرى أنه فراق لا لقاء بعده، وبُعدٌ لاقُربَ بعده..أحسست أن حزن الدنيا قد تجمع فى نفسى وأن روحى قد حُبست فى سراديب من الألم حتى أمضيتُ سنواتٍ لايرقأ لى دمع ولايغمض لى جفن إلا وأنت فى عقلى وقلبى فبت وكأن البكاء فالق كبدى..أيها الساكن نفسى لست أنسى أننى حين ودعتك كنت أحلم أن ألقاك بأحلام وصروح تمنيت أن تراها فىَّ وإذا بى أعود لأفتش عنك فى جنبات بيتنا الذى استشعرتُ حزن جدرانه وسكون بواباته وذبول أوراق شجره وسقوط ازهار وروده لأنك تركتها وقد بنيتها من قبل بالأمل والطموح الذى قطعه داعى الموت..أيها الحبيب والغالى لست أنسى أننى كلما رسخت فى الأرض قدماى ومضيت فى طريق الحياة خطوة أتذكر من كان سببا فى وجودى ومن علمنى كيف يصبح المستحيل سهلا يسيرا،كلما تعثرت قدماى أو كبوتُ أتذكر كيف ربيتنى على الأمل وعلى أن الصبر أول مراتب الإنجاز، كلما شغلتنى الدنيا بزخارفها، وطاردنى هاجس المال وشهوته أتذكر كيف عشتَ زاهداً فى الدنيا، تنفق بلا حساب وتعطى بلاتردد،أيها الساكن قلبى كم أحبك، ولهذا أهديك أعطر الكلمات وأزكى الدعوات فأنا من سعيك أحيا ،وبفيض نورك أضئ دربى، فسلام عليك يا أبتى وعلى روحك فى عليين .
د. إيهاب فؤاد

Friday, May 1, 2009

أوراق ذابلة وصياغة جديدة 2

أوراق ذابلة وصياغة جديدة 2

بقلم: د. إيهاب فؤاد

تحدثت في المقال السابق عن الأوراق الذابلة، وأخذت أطرح رؤيةً للتغيير، تبدأ بتغيير النفس؛ لأنه لا يمكن- بحالٍ من الأحوال- أن نغيِّر مَن حولنا دون أن نبدأ بتغيير أنفسنا، ثم أطرح اليوم جانبًا آخر من جوانب التغيير؛ ألا وهو: "تفعيل دور العلماء"؛ لأنهم رموز الأمة، وهم محطة التغيير التي لا يمكن أن يُتَجَاهل دورها، أو أن يُهمَل، وهناك ملامح مؤامرة على العلماء، تتمثل في تغييب دورهم، وعدم اجتماع كلمتهم، وهنا تكمن نقطة الضعف، ولعلي أذكر هنا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا التفريق الذي حصل من الأمة، علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها؛ هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها". اهـ.

لما ذُكر معروف الكرخي في مجلس الإمام أحمد، "فقال بعض من حضر: هو قصير العلم، فقال له أحمد: أمسكْ عافاك الله! وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟"، ولعل صورة أخرى عظيمة تظهر من جانب العلماء، وتحدَّث عنها القرآن الكريم، ألا وهي صفة "الخشية"، والتي جعلها الله من أخصِّ صفاتهم، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: من الآية 28)؛ ولذلك قال الإمام أحمد لابنه عبد الله، عندما سأله عن معروف: هل معه من العلم شيء؟ قال: معه رأس العلم: "الخشية".

إننا نريد من العلماء أن يقوموا بدورهم المنوط بهم في تغيير الأمة وإصلاحها، إننا نريد علماء ربانيين، يُصلحون ما أفسده الناس، لا يخافون في الله لومة لائم، يوجهون الأمة بالحسنى، ويردُّون الأمة إلى سابق عزِّها ومجدها، ولعلنا نذكر موقف العز بن عبد السلام حين أفتى ببيع الأمراء المماليك حتى تصحَّ ولايتهم؛ لقد كادوا له، وأراد والي مصر أن يحول بينه وبين الناس، فخرج العز بعد أن قال كلمة حق، وقبل خروجه أرادوا أن يقتلوه؛ فذهب أحد الأمراء إلى داره، وطرق بابه بقوة فخرج ابنه مفزوعًا، وقد رأى الشر في عينيه، وخاف على أبيه، فهدَّأَ من روعه، وقال: يا بني إن أباك أقل من أن يُقتل في سبيل الله، وخرج فلما رآه الأمير سقط السيف من يده.

لقد قصدت بعد تهيئة الأفراد إيمانيًّا أن أفعِّل دور العلماء؛ لأنهم أهل الثقة، وحين قُلت العلماء؛ إنما قصدت العلماء الربانيين العاملين الذين يخشون الله حق الخشية، ولا يخافون فيه لومة لائم.

ولكي يكون دورهم فاعلاً في المجتمع، فعليهم:
- تَبَنِّي الإصلاح والتغيير السلمي؛ لأن هذا هو الطريق، إنه وإن كان طويلاً، إلا أنه نهج واضح ومن ثوابت التغيير التي يمكن أن تمتدَّ رقعتها عن طريق العمل المجتمعي الذي يقوم على الانخراط في المجتمع.

- توجيه الأفراد نحو الإيجابية، والبعد عن السلبية الممقوتة التي لا تتفاعل مع قضايا المجتمع.

- النصح لقادة الأمة وحكامها بالرفق واللين، والبعد عن المداهنة والتملق؛ لأنه ليس من سمات العلماء الربانيين.

- توحيد الصف لمواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية، واجتماع كلمة العلماء؛ لأن هذا بدوره يؤدي إلى عودة هيبة العلماء؛ ليكونوا جبهة واحدة، وتأجيل الخلاف، وتكوين- أو لنقل- تفعيل جبهة العلماء.

- توحيد الخطاب، والاتفاق على آلية مرحلية للخطاب الموجَّه، وفتح منافذ وقنوات للتعبير عن الرؤى في التغيير.

- اعتماد منهج التربية للتغيير.

إنني كنت- ولا أزال- أرى أن من أهم الطرق لإعداد الأمة هو البناء التربوي التراكمي المؤصَّل، وعندما أطرح هذا الأصل، فإنني ألفت النظر إلى البناء التربوي التراكمي، فالمسلم ما دام حيًّا فهو يتلقى التربية حتى آخر لحظة في حياته، وهناك الكثيرون ممن يمَلُّون البطء في التغيير، ويسعون إلى تخطي هذه المراحل، فلسنا معهم بحال؛ إننا نتعامل مع نفوس بشرية تحتاج إلى صبر ورويَّة، وتحتاج إلى حكمة وحنكة؛ حتى يحقق المنهج التربوي مبتغاه.

أما المنادون بالتغيير بالقوة لأن سنوات التربية رغم طولها لم تفعل فعل السحر، وأن أثرها لا يكاد يُرى؛ فهم واهمون، لأنهم يحلِّقون بعيدًا عن الواقع، فإذا طال الأمد فإن الثمرة المرجوة تكون أطيب.. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.