Tuesday, November 17, 2009

ابتسم يا هذا !



على ضفاف الذكرى ترقد أيامنا عطشى لزمن كانت الابتسامة فيه منبعَ حياة، كنا نركض لا نحمل للدنيا هماً، ولا ينغص عيشنا سوى الحرمان من اللعب فذلك أقسى عقاب يمكن أن يناله طفل، تعلَّمنا أن نبتسم ليبتسم كلُّ شي من حولنا، ولتبتسم لنا الحياة، وما أقسى قلوب أولئك الذين يودعون الابتسامات غياهبَ الجُب، يتجهمون حين ينزل الفرحُ ساحتهم،لا تفارق الوجهَ العبوسَ ملامحُ الغضبِ الدائم، وأمام تلك الصورة تستوقفنا صورة أناس يُرغمون أبناءهم على الابتسامة للحياة، إنهم يصنعون ابتسامة أشبه في صياغتها بوردة صنعها الصانعون بأيديهم، إنها لا تضارع وردة الروض التي أبدعها خالق الكون العظيم، نتساءل حين تغيبُ البسمة متعجبين ولا نبحث عن أسباب غيابها، ربما لو فتشنا عن سبب الداء، لَعَنَّ لنا الدواء، لماذا لا نعيش سيرة أشرف الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد كان يحمل هم الدنيا بأسرها، ويشغله أن يُعبِّدَ الأرض لله رب العالمين، غزواتٌ تلو غزوات، أحداث ومؤامرات، وهو مع هذا زوج محب، وأب رحيم، وصديق ودود، يهابه ويُجله من يجالسه أو ينظر إليه، حتى قال عمرو بن العاص رضي الله عنه فيما رواه مسلم: ( وما كان أحد أحب الىّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا أجلّ في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له , ولو سُئِلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ) .، نسمات علوية تهز أعطاب النبات، ونسائم أنقى من الماء الفرات، لقد كان مع شغله مبتسماً، وهو القائل": تبسمك في وجه أخيك صدقة،لقد كانت يتعامل مع المواقف بابتسامة رقيقة، وقلب يملؤها حب الله جلَّ وعلا، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم جمعة ، فقام الناس فصاحوا وقالوا : يا رسول الله قحط المطر ، واحمرّت الشجر ، وهلكت البهائم ، فادع الله أن يسقينا ، فقال( اللهم اسقنا ) مرتين ، فنشأت سحابة وأمطرت ونزل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المنبر فصلى ، فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها ، فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب صاحوا إليه : تهدمت البيوت ، وانقطعت السبل ، فادع الله يحبسها عنا ، فتبسّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : ( اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت ، فجعلت تمطر حول المدينة ولا تمطر بالمدينة معجزةً لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وإجابةً لدعوته لقد كانت الابتسامة ولا زالت رسولاً للقلوب . لماذا لا نجعل لنا ورداً من الابتسام، وقسطاً من الراحة، لا نطيل حتى لا تكون مقعدة، لكنني أقصد أن نستريح من أعباء الحياة، وأن نُطلِّقَ هموم الدنيا، وأن نتعالى فوق ما يواجهنا من صعاب ، وأن نسلم لله زمامَ أمورنا، إن أقبلت الدنيا أو أدبرت، وإن أضاء الكون أو أظلم، وإن نزل البلاء أو حل الرخاء، لنبتسم لما يصيبنا، ولمن آذونا، ولمن أساءوا إلينا، أليس ما عند الله خير وأبقى؟

Sunday, October 25, 2009

إلى الحبيب خلف الأســــــوار


إلى كل حبيب قيَّده ظالم، وغيبه عن بيته من لايرقبون في مؤمن إلَّا ولا ذمة، إلى حبيب القلب الذي أرَّقني نبأٌ اعتقاله، رفيق الصبا، وشقيق الدرب،الحبيب عصام شرف الدين، حقيق أنني لم أجزع لاعتقال أحدٍ كما جزعتُ لاعتقال مصعبَ هذا العصر، إنه الفتى الرقيق المدلل،الذي كنا نقول له مداعبين متى يأتي علينا التجنيد الإلزامي لنرى فيك يوماً فترى شظف العيش، وكنا نمازحه بذلك، حتى أنه حين تعرض لذلك وتطاول عليه الشاويش، ضربه فأسال دمه، ولم يكن له من مخرج سوى أن يرضيه، يومها أمره أن يزحف داخل طرقات دورة المياه، يومها أسرع إلى أبيه وقال لن أذهب مرة أخرى، لقد كان أبوه من أبطال أكتوبر الحاصلين على وسام الجمهورية والحاصلين على نوط الشجاعة، ودارت الأيام دورتها، وتعاقب الزمن، ومات السند، والده الكريم، وقبله بعامين ودَّعت الكريمة أمه الحياة،وتقلبت الأيام، ولما قرأتُ نبأَ اعتقاله هزني ذلك، فأسرعت أتصل هاتفياً، حتى يسَّرَ الله لي أن اهاتفه، وتحدثت معه، فوجدته مبتسماً، فقلت له صبراً أيها الحبيب، وتذكرت قول ربي جل وعلا :
وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (إبراهيم)
لو بلغ بنا الأذى مبلغه، لو قيدونا، وسجنونا، لو اختطفونا من بين أبنائنا، وزوجاتنا ، وأهلينا، لو روعوا الصغار، ولو تطالوا على حرمات بيوتنا، فلا يزيدنا ذلك إلا صبراً..
أيها الحبيب أذكرك بقول الله تعالى:
( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً)
ولعلَّ ما يريح القلب وتسكن إليه النفس ، قول الله عز وجل:
(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)
والحقيقة أن من سلّم لله أمره، واستسلم وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله تعالى له هو أسعد الخلق على ظهر الأرض.
أوصيك أيها الحبيب بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
أكثر من قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل )
إن في الصلاة راحة القلب، وسلامة النفس، وسكينة الجوارح، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين)
عليك بسهام الليل، عليك بالدعاء، فإنه سِرٌ من أسرار تمكين الله عز وجل للعبد
اطرق باب ربك بدعوات في جوف اللليل، وركعاتٍ في ظلام الليل، أسلم لله قياد أمرك، وأخلص لله نيتك ودينك، وتذكر أخي نفسك وإخوانك بدعوات بظهر الغيب فإنَّ العبد أقرب مايكون من ربه حين تنزل به المحنة،ويحل عليه البلاء، فلا تنسنا يا أخي أنت من دعائك، تمسك بحبل ربك واسأله التثبيت، وعليك بدعاء حبيبك محمد( يا مقلِّبَ القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، قال الله تعالى :
ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين))، وقال: ((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء، وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب))، وكان التأكيد أشد في قوله: ((لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور))
إنه طريق الرسل والأنبياء، طريق الصادقين، طريق ليست مفروشة بالورود ولا الرياحين، لكنها مفروشة بجهاد المجاهدين، فثباتهم على الطريق انتصار لهم، ومضيهم قدما في دعوتهم رغم ما يحاك بهم من غير تراجع دفقة في شرايين الأمة،وسيعلم الظالمون حين تطول وقفتهم بين يدي الله تعالى في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، كم من جرم ارتكبوه يوم اقتحموا البيوت على رءوس أصحابها، يوم روعوا الأطفال ، وانتهكوا حرمات البيوت، في وقت يرتعُ فيه قتلةُ الشعب آمنين، يُحبَس أصحاب الدعوات، ويُطلَق اللصوص، إنها شريعة الغاب في زمن انقلب فيه الهرم، فأصبح الشريف متهماً، وأصبحت السجون مأوى لخيرة أبناء الأمة..
إن سجَّانك يا أخي مسجونٌ خلف قضبان سلطانه، ومخدوع بمن حوله، إنه محبوس في نفسه، أمَّا أنتَ فليس لأحدٍ على روحك سبيل أو سلطان إلا خالقها.
التفتْ إلى مَن حولك مِن الناس جميعاً؛ هل تجد فيهم إلا مصاباً، أو مبتلى، أو مهموماً، أو مغموماً؛ إما بفقد حبيب، أو بغياب عزيز، أو بنزول مرض، أو بسماع فاجعة، أو بغيرها من البلايا، ولا يعني هذا غضب الله عليهم، ولقد كان أكثر الناس بلاء الأنبياء، والسائرون على دربهم يتعرضون لما تعرضوا لهم، غنه استعلاء الروح فوق كل مايكدر صفوها، وماينغص عليها سبيل سعادتها وغداً يرى الظالمون سوء فعلتهم فيا كل مَن أوذي، يا كل مَن ظُلم، يا كل من قُهر، يا كل من أصيب بمصيبة، يقول الله تعالى:
( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
صبراً أخى فى محنتي و عقيدتى ***** لا بد بعد الصبر من تمكين
و لنا بيوسف أسوة في صبره ***** و قد أرتمى بالسجن بضع سنين
هون عليك الخطب لا تعبأ بهم ***** إن الصعاب تهون بالتهوين
ستسير فلك الحق رغم أنوفهم ***** و يذل كل منافق و جبان
بالله مجراها و مرساها ***** فهل تخشى الردى و الله خير ضمين
سنعود للدنيا نطب جراحها ***** سنعود للتكبير و التأذين
يقسم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الفرج قريب وأن النصر آت، حيث رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أشد المواطن، وفي يوم يُعدُّ من أحلك الأيام،حيث تجمع عليه الأحزاب من كل صوب وحدب وهو يوم الخندق الذي قال الله فيه: {إِذْ جاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونا (*) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً}، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليفرجنّ الله عنكم ما ترون من الشدة، وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمناً، وأن يدفع الله عزَّ وجلَّ إليّ مفاتيح الكعبة، و ليهلكنّ الله كسرى و قيصر و لتنفقنَّ كنوزهما في سبيل الله.
.
قال مسروق رحمه الله: كان رجل بالبادية له حمار وكلب و ديك، و كان الديك يوقظهم للصلاة، و الكلب يحرسهم، و الحمار ينقلون عليه الماء و يحمل لهم الخيام. فجاء الثعلب فأخذ الديك، فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً، ثم جاء ذئب فمزق بطن الحمار و قتله، فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً، ثم أصيب الكلب بعد ذلك، فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً. ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا قد سبي من كان حولهم و بقوا هم سالمين، و إنّما أُخذَ هؤلاء بسبب أصوات الكلاب و الحمير و الديكة، وكانت نجاتهم في هلاك ما عندهم.
صبراً أخي فدولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة...

د. إيهاب فؤاد

Thursday, October 8, 2009

الله موجود

ما أجمل بساطة المصري وهو يسفر عن إيمانه في قلبه بكلمات بسيطة وعبارات موجزة، إذا ظلمه ظالم، قال الله موجود، وإذا تجبر عليه أحد قال الله موجود،وإذا سلبه أحد حقاً من حقوقه قال الله موجود،إنها ببساطة وسلاسة ويسر
سحابة من رحمة تظل المؤمن كلما استشعر أن الله موجود، إنها تعني أن العدل موجود، وأن الرحمة موجودة، وأن الخير في ركاب البشر موجود، وأن السلام موجود، وأن السكينة موجودة، إنها تعني بقاء الخير أبد الآبدين، واندحارالشر إلى غير تمكين، الله موجود، ما أجملها من كلمة، ترطب الفؤاد، وتثلج الصدر، وتزيل الهم، وتدحض الضجر، وتفرغ القلب من كل شاغل يشغله، فالعدل أساس الملك، والرحمة ميزان الحكم، فوجود الله تعني مغفرة الذنوب، وستر العيوب، وقبول التوبة مالم تغرغر، إنه شعور الواثق في كرم من لايتصف بعظيم الكرم سواه، وجود الله يعني أن تعمر الأرض بذكره، وأن تسبح الملائكة بحمده، وأن يعم المعمورةَ كرمُ فضله، فما أعظم الخالق الموجود
أيها الساكن بين عناكب الهموم هوِّن عليك النفس، وارح منك القلب فالله موجود
أيها القابع خلف غيوم الحياة، (إن مع العسر يسرا
وجود الله يشعرك بركنه العظيم، وجواره الذي يعلو فوق كل جوار
إنه جوار يجعلك لاتحزن على شيئ مضى، ولاتفرح لما هو آت، وإذا دهمه مايكرهه قال بلسان الحال والمقال" وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
وهو لا يتطلع إلى مافي يد غيره وحاله"أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (المؤمنون
فهو يتقلب في فضل الله تعالى، ويستنشق عبير كلامه الذي تهدأ في ظلاله النفس" ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير...لكى لا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم والله لايحب كل مختال فخور (الحديد)..
ويعود النور يحلق في جنبات النفس المؤمنة وهي تستشعر وجود الخالق العظيم، مدبر الكون، ومسير الخلق
)إنه نور يرشد صاحبه حين يتخبط غيره في ظلمات الجهالة، ويأخذ بيد صاحبه حين تتكالب عليه المحن وتتناوب عليه الآهات فتجعله يشعر أن كل محنه لن تذهب سدى إذا تلقاها المؤمن صابراً محتسباً غير ضجر ولا متأفف، وأن دموعه لن تضيع هباء إذا سحت من خشيته، وإذا رفعت لله مظلمته وعبرت عن خشيته، وأن صبره لن يذهب أدراج الرياح إذا احتسبه لله،وأن محنَه منحٌ ربانية، ونفحات علوية، فالله يحب أن يسمع مناجاتك وأن تبثه شكواك في تسليم مطلق لإرادة علوية تصحبك مشيئته، وتسيرك قدرته
فهوِّن النفس فالله موجود
واستكثر من الخير فالله موجود
وتصالح مع النفس فالرحمن موجود
وسلِّم لله قياد أمرك، ولاتنم من ليلك وفي قلبك ضغينة لأحد
واطمع في كرم ربك وعظيم فضله، وجزيل عطائه، فهو يعطي بلا حساب
وينعم بلا أسباب، ويغير الحال من حال إلى حال بين طرفة عين وانتباهتها
سبحانك وبحمدك، لانحصي ثناء عليك، ولا حول ولا قوة إلا بك
د.إيهاب فؤاد

Friday, October 2, 2009

وانطفأ المصــــــباح



سيطر عليَّ هاتفٌ أن أبحث عنه، أن أحادثه، غلبني شوق جارف لحبيب لم أره منذ ثلاث عشرة سنة !!
باعدتنا الأيام، تقلبنا على جمر الشوق، وامتطينا صهوة الكفاح، نصارع هنا، ونغالب الشوق هناك، كل قد خرج يطلب هدفاً ويأمل أن يحقق غاية، التقينا في مطلع التسعينات، جمعتنا أيام جميلة، كنا نمارس كرة القدم التي كان عاشقاً لها، وإذا ما فرغنا عدنا إلى حيث يجمعنا سكن جميل، ثم يحمل كل منا الكرة على رأسه ونتبارى في عدد المرات التي يمكن أن تستمر الكرة على الرأس دون أن تسقط، لقد كانت المرات بيننا سجال، مرة له ومرة لي، عرفته أخاً صادقاً وفياً، تعرضت يوماً لمحنة جعلت ضعاف النفوس الخائفين على أرزاقهم يخافون أن يلقوا عليَّ السلام، كان ساعتها جسوراً، شعر بما أشعر به من ألم الأصدقاء الذين يغيِّرون وجهةَ سيرهم حتى لا يقابلونني خوفاً على أرزاقهم، قال لي يومها دعك منهم، استضافني ثلاثة أيام وأقسم يومها أن أكون ضيفاً عليه حتى أغادر، زرته بعد عودتي، وتركتُ له كتابَ الله أغلى هدية وقد كتبت عليه سطوراً قليلة قلت له ستذكر كلامي يوماً، ومضت الأعوام، وتتابعت السنوات، قلتُ لماذا لا أتصل به، لقد انقطعت أخباره عني، وانقطعتُ عنه سنوات طويلة، حصلت على هاتفه عبر الشبكة العنكبوتية، رفعت السماعة زهرة صغيرة، فقلت لها الأستاذ مظهر موجود؟ تركت السماعة وسمعت صوتاً آخر يرد عليَّ، قلت لها هل هو موجود؟
قالت لا، قلت لها وأين هو؟ هل سيعود بعد قليل ؟ قالت لا، لقد توفي، فأسقط في يدي، قلت لها هل هذا بيت فلان؟ قالت نعم، قلت لها، أخوه فلان؟ قالت نعم، قلت لها أعتذر كثيراُ، قالت لقد توفي منذ عامين، فتألمتُ ألماً شديداً، وتركتُ الهاتف من يدي بعد أن قدَّمتُ اعتذراً ملؤه الأسى والحزن، لقد نكأتُ جراحها، لقد كانت زوجته
اعتذرت وأطرقت على الطاولة وأنا أتذكر شريطَ ما كان بيننا..
لقد ماتَ الحبيب مظهر، عن شبابه حدِّث ولا حرج، وعن لياقته البدنية حدِّث ولا حرج، وعن صحته حدِّث ولا حرج، لقد ما تَ الحبيب، لم أستطع أن أسأل عن سبب وفاته لشعوري أنني نكأت جرحا في قلب زوجة أسأل الله أن يرعاها وأن يرعى أبناءها، لكنه مات، وهكذا يموت كل شيء ، كل جميل في حياتنا سرعان ما ينقضي، كل جميل سرعان ما يمر مرور الكرام...
لهفة قلبي على الحبيب مظهر مصباح إبراهيم، ماخطر ببالي أن أتصل لأسأل عن حاله فيفجعني نبأُ موته، آه ما أقسى الحياة، وما أشدَّ ألم الفراق !!
أيها الموت !! يا مفرق الأحباب، ياهادم اللذات، ومفرق الجماعات، كم يصرعنا كل يوم نبأُ فقدِ حبيب
لقد ارتعدت فرائصي، مات الحبيب، صرخات تجلجل في جنبات نفسي، لوعة وحرقة في قلبي، مرارة في حلقي، ألم وغصة، وبين طيات الدموع التي سحَّت على وجنتي كانت الدعواتُ بأن يرحمه الله رحمة واسعة، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يبارك له في ذريته، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته
اللهم اجمعنا به في ظل عرشك ومستقر رحمتك، يارب ! أنت أرحم به من خلقك فارحمه رحمة لا يشقى بعدها، واسقه بيد حبيبك محمد شربة لا يظمأ بعدها.
رحمك الله رحمة واسعة....

Sunday, September 20, 2009

يوم الجــــــــائزة

يوم الجائزة

أصل الكلمة
العيد: هو كل يوم فيه جمع، وأصل الكلمة من عاد يعود، قال ابن الأعرابي: سُمِّيَ العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرحٍ مجدد.[1]. وعيد الفطر سمي كذلك لأن المسلمين يفطرون فيه بعد صيام رمضان.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى } [رواه أبو داود والنسائي]. والعيد شعيرة من شعائر الإسلام ومظهر من أجل مظاهره.. قال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32.
ومن مشاهد السرور بالعيد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعله الحبشة ، حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب ، واجتمع معهم الصبيان حتى علت أصواتهم ، فسمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهم ، ثم قال لعائشة : "يا حُمَيْراء أتحبين أن تنظري إليهم ، قالت : نعم ، فأقامها - صلى الله عليه وسلم - وراءه خدها على خده يسترها ، وهي تنظر إليهم ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يغريهم ، ويقول : دونكم يا بني أرفدة ، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، إني بعثت بالحنيفية السمحة" .

لا تنغصوا فرحة العيد
إنني أعتب على أولئك الذين يستغلون مناسبة العيد لينكأوا جراح الأمة،وبدلاً من أن يدخلوا عليها السرور، يحولون فرحهم حزناً،وهذا ليس من باب الإحتفال بالعيد، فلماذا نعكر صفو يوم العيد،أما كفانا طوال العام ما نمر به من هم وغم ، ومحن وابتلاءات، فليكن العيد فرصة لنستشعر الفرحة، ولتعيش الأمة الفرحة التي أراد الله تعالى لها أن تعيشها في أيام العيد، ولعلى أذكر في هذا الموقف عروة بن الزبير رضي الله عنه ،قطعت رجل عروة بن الزبير ومات ولده فقال" اللهم إنك أخذت عضواً وأبقيت أعضاءً، وأخذت ابناً وأبقيت أبناء فلك الحمد، ونحن نقول: لئن حلت بنا محن فقد أبقى الله لنا منحاً، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعماً " وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها"،ذكر الدكتور عبدا لوهاب الناصر الطر يري معلقاً للعيد فرحة فلا تقتلوها ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل ، وفأل ينتج إنجازاً ، أما المهموم المحزون فهو غارق في آلامه ، متعثر في أحزانه ، مدفون في هموم يومه ، لا يرجو خيراً ولا يأتي بخير ، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون أ.هـ. .
آداب العيد
التكبير: يشرع التكبير من بعد غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال الله تعالى: وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]. وصفته: ( الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ) ويُسَن جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكره.
روى ابن أبي شيبة بسنده عن الزهري. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير، ) إسناده صحيح. وهو مرسل، وله شواهد يتقوى بها)..
ثانياً: الاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب أما المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلى العيد بدون تبرج ولا تطيب، وأن تتجنب المرأة الاختلاط، وأن تحذر من أن تتعطر وهى خارجة لتصلى العيد.
ثالثاً: أكل تمرات: وترا ثلاث أو خمس قبل الذهاب إلى المصلى لفعل الرسول .
رابعاً: الصلاة مع المسلمين وحضور الخطبة: والذي رجحه المحققون من أهل العلم من شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره: أن صلاة العيد واجبة ولا تسقط إلا بعذر، والنساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحيض، ويعتزل الحيض المصلى.
خامساً: مخالفة الطريق: يستحب الذهاب إلى مصلى العيد من طريق، والرجوع من طريق آخر لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
سادساً:العيد فرصة للتزاور وصلة الأرحام،وتبادل التهاني، والتصافي بين المتخاصمين.
العيد والمسلمون في أرجاء الأرض
هل نستشعر طعم العيد، وجراحات المسلمين تنزف،جراحهم مثخنة،وفى كل بيت نجد جرحاً غائراً، أوصال ممزقة، وأثواب مهلهلة، وكلمة متفرقة،ودماء فى كل مكان، وفقراء هنا وهناك، ومرضى هنا وهناك، وجوعى هنا وهناك،يأتي العيد على نساء ترملن، وأطفالٍ يُتِموا، فهل نشعر بهم، ونمسح على رءوسهم ونذكرهم ونحن نقبل أبناءنا، ونهنئ أحبابنا؟ إننا في حاجة إلى أن يجتمع الصف، وتتوحد الكلمة، وكما يجمعنا العيد،تجمعنا إخوة الدين، والعرق، والدم، وتعيش الأمة من أقصاها إلى أدناها مشاعر واحدة، وأفراحاً واحدة، وهموماً واحدة ولقد وصف أحدهم قدوم العيد فنكأ الجراح قائلاً

عِيدٌ بأية حالٍ عُدتَ ياعيد ....... بأدمع القهر أم للموت تهديدُ
أم يحمل الليل في أثوابه كفناً ......أم يطبقُ التربَ فوقَ الهامِ تلبيدُ
أم يحشرُ الناسَ بؤسٌ فى جنازتنا .....وبملأ الكون بالآهات تعديدُ
تدمي القلوب فما تنفك راعفة .......فى كلِ حينٍ لها بالقرْحِ تجديدُ
كيفَ السبيلُ إلى الأفراحِ فى وطنٍ .......يزداد بؤساً إذا ما أقبل العيدُ
وكيف نعشق بعد اليوم أغنيةً .......وكيفَ تحلو لنا بعـدُ الأناشيـدُ
ويشربُ الناسُ فى أعيادهم عسلاً .......وعندنا الصابُ في الأعياد محمودُ

متى نستشعر أننا أمة واحدة، إنْ لم نستشعر ذلك في رمضان، وفى الحج فمتى نستشعر؟ هل يكون رمضان بدايةً جديدة لأمة جديدة، أمة على قلب رجل واحد، يجمعها دينٌ واحد، وتجمعها قِبلةٌ واحدة، ويعبدون جميعاً الله الواحد ،حين نستشعر ذلك تعود الأمة إلى سالف مجدها، وسابق عزها ، ساعتها نستشعر العيد، وفرحة العيد، ويوم العيد .
ويوم يأتي العيد نكون قد كسرنا حاجز النفس وسلطانها، وحاجز الشهوة وإغرائها، ساعتها يكون عيدنا حقيقياً، رحم الله بن القيم حين قال:
في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقحة هامان..
قال بعض السلف : خلق الله الملائكة عقولاً بلا شهوة ، وخلق البهائم شهوة بلا عقول، وخلق ابن آدم وركَّبَ فيه العقل والشهوة ، فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة ، ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم أ.هـ.
حين تغلب عقولُنا شهواتِنا نستشعر معنى العيد، ونستشعر إخواننا في شتى بقاع الأرض ولعل رمضان كان منحة ربانية تغلبت فيه العقول على الشهوة فهذبتها،وروَّضتها....
الست من شوال
يستحب البدء بصيام الست من شوال بعد العيد مباشرة ؛ لأن ذلك من باب المسارعة إلى الخير . قال تعالى ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: {من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر} [رواه مسلم وغيره]. قال الإمام النووي - رحمه الله -: قال العلماء: (وإنما كان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين..).
ونقل الحافظ ابن رجب عن ابن المبارك: (قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيام رمضان في الفضل، فيكون له أجر صيام الدهر فرضاً).
قيل لبشر الحافي - رحمه الله -: إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان. فقال: (بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها).

تذكر أن تتعلم في يوم العيد حسن الدعوة التي تؤلف القلوب، وتعبِّد الناس لله رب العالمين، كن لينَ الطبع، رقيقَ القلب، أواباً، تواباً، ولله در القائل

بحسن الوعظ تمتلك القلوب***وصخر الطبع من لين يذوب
فقل للمسرفين ألا رجعتم *** فإن الله يقبل من يتوب
ورحمته لأوسع من خيال***ولو كثرت من العبد الذنوب

د.إيهاب فؤاد


[1] لسان العرب 3-319

Thursday, September 17, 2009

دمــــــــوع الرحــــيل



أيها الراحل مهلاً قد أثرت النفس بكريم خصالك، أيها الذاهب إلى رب ليكون شاهداً ترفق،وتمهل، توشك القلوب أن تنخلع لفراقك،ويوشك الألم أن يقطع نياط القلوب،كم عهدناك طريقاً للخلاص والتحرر من قيد الذنوب،أيها الراحل رفقاً بقلوب هدَّها شوق إلى رب كريم، كم أسلنا العين،واغتسلنا من خطايا الآثمين، إنني اليوم أناجى و بعزم لا يلين،ما أقسى مرارة فراقك،ما أقسى ألم البعد،اعلم أنَّ ما مضى لن يعود، وأنَّ كل ساعة للخير فيك لن تعود، آه ما أقسى فراق الأحبة،وما أشد جروح النفس،إنها لحظات ثم يؤذِّن مؤذنٌ بالرحيل، اسكبوا العبرات يا خير العباد على ضيف أتانا كالنسيم،ومضى كالنسيم، يا حبيباً علَّمنا خير الخصال، كيف لنا أن ننسى ساعات الخير ولحظات الفيض الرباني بفراقك،أنت اليوم تودعنا، ونحن سنبكيك ما دمنا على العهد ما بدلنا،انفضَّ سوقُك ، وربح من ربح ، وخسر من خسر،غداً تبكيك التراويح، وتبكيك التسابيح، وتبكيك عيون القاتمين في جوف الليل ، بين قائم ، وراكع ، وساجد،غداً تبكيك مآذننا، و تنعيك أيام البر والإحسان، والخير والإكرام،غداً تستوحش المساجد زوارها،وتنادى الأرض من عمروها بسجود،غداً يبكيك الأرحام الذين استشعروا قيمة أن يوصلوا فيك ، غداً يشرق يوم جديد، وشهر جديد وتكون قد مضيت إلى ربك بأعمال العباد..
غداً يبكيك المساكين والفقراء وأبناء السبيل ...
غداً تبكيك صدقات، وزكاوات ادخرها العباد فيك ....
هل تكون شاهداً لنا أم علينا يا رمضان ؟؟
هل سيطول بنا المقام لندركك فى العام المقبل، أم سيكون الثرى قد وارى أجسادنا، والغربة قد أحاطتنا بعدما فارقنا الأهل والأحباب ؟؟
هل سنرتِّل القرآن كما رتلناه فيك ؟
هل سنصل الأرحام كما وصلناهم فيك ؟
هل سنداوم على القيام كما كنا فيك ؟
هل سنهذب أخلاقنا كما كنا فيك ؟
هل ستبكى علينا كما نبكيك ؟؟
حين ودعتنا ودَّعنا فيك الأب الحنون، والأمَّ الرءوم، والابن البار،حين جئتنا كنا كشياه شاردة في ليالي شتاء مظلمة ، فجمعتنا بعد فرقة،وقويت عزائمنا بعد ضعف وخور،كم تنادت المآذن، كم رتَّلَ فيك المرتلون، وكم تهجد فيك المتهجدون في الخلوات، فإلى لقاء يا حبيب إن كان في العمر بقية، إلى لقاء يا حبيب إذا شاء الله تعالى وأراد، لكن تُرى هل سنبقى على العهد أوفياء ؟
لقد تركتنا يا حبيباً طرق أبوابنا فملأ الكون خيراً وبركة، لكن هل يا ترى ستكونُ شاهداً لنا أم علينا ؟ لقد رحل رمضان ولن تسقط من الذاكرة تلك المناظر التي كان شاهداً عليها، الأوابين، والقائمين ، والراكعين، والساجدين، والتائبين، والمستغفرين، ومناظر أولئك الذين ضيَّعوا أغلى الساعات أمام التلفاز والفضائيات، وتباروا في تضييع أوقاتهم، فقلبوا نهارهم ليلاً هروباً من عضة الجوع، وقلبوا ليلهم نهاراً، أمضوه في السمر، والسهر، رحلت عنا بعد أن أدميت قلوبنا، ويبقى عزاؤنا أن نكون على العهد أوفياء، لعلنا لا نلقاك فنؤجر بنيتنا
.

Monday, September 14, 2009

إذا لم تستح فاصنع ما شئت


إذا اسدى أحدنا إلى واحد من الخلق معروفاً يرتدي ثوب الحياء منه، وربما لا يرفع رأسه خجلاً كلما قابله،هذا سلوك من يقدرون المعروف ولا يجحدون، ومن يشكرون الناس من باب شكرهم لله، أما من ينصبون أنفسهم قضاة على الناس، وأمناء على الخلق فوقفتهم بين يدي الله طويلة حتى يخرجوا مما قالوا، قد يقولوا كلاما لو مزج بماء البحر لغيَّر لونه ورغم أن الحياء من أجمل ما يتحلى به المؤمن، ولقد كان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العروس في خدرها، لكن هناك نوع من الحياء هو أولى درجات الإنكسار، إنه حياء الخلق من الخلق، فمابالنا بحياء الخلق من الخالق الذى يهب بلا حساب، ويعطي على كثرة الذنب،

يُروى عن الأسود بن يزيد النخعي أنه كان مجتهدًا في العبادة، يصوم حتى يخضر جسده ويصفر، وكان علقمة بن قيس يقول له: ويحك، لمَ

تعذب هذا الجسد؟ قال: راحة هذا الجسد أريد، إن الأمر جِدٌّ، إن الأمر جِدٌّ، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: ما لي لا أجزع، ومَنْ أحق بذلك مني؟ والله لو أُتيتُ بالمغفرة من الله عزَّ وجلَّ لهمَّني الحياء منه مما قد صنعته، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه، فلا يزال مستحيًا منه.

ما بال قلوب الكثير من الناس جاحدة، تجحد الناس، وتجحد رب الناس، إنَّ الذي لا يحمد الناس لا يحمد الله، ومن لا يشكر الناس، لا يشكر رب الناس، مابالنا قد استطالت هاماتنا على بعضنا البعض، ونصَّبنا أنفسنا قضاة، نحكم بصلاح هذا، ونحكم بطلاح ذاك، نحكم بصدق هذا، ونقضي بكذب ذاك، نكشف ستر القلوب، فنرمي هذا بالنفاق، ونوغل في عرض ذاك بالرياء، وعوراتنا لا يواريها سوى ثوب رقيق لا يستر ولا يقي، إن فتشنا في عيوبنا ربما شغلنا ذلك عن عيوب غيرنا، قد نلقى الناس بوجه أبي بكر وبين الضلوع قلب أبي جهل والكارثة أننا ربما لاندري، إن ظننا أن عيوننا تكشف ستر الآخرين، فالآخرون يغضون عيونهم عنكم تعففا


إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى ....... وحظك موفور وعرضـــك صيــن

لسانك لاتدكر به عورة إمريء .......... فكلك عورات وللناس ألسن

و عينــك إن أبـدت إليــك معـايبــا .......... فصنها وقل ياعين للناس أعين

و عاشر بمعروف و سامح من اعتدى .... ودافع و لكن بالتي هي أحسن

كفانا ماكان، ولنفتش في عيوبنا فلسنا ملائكة،فإنَّ نزع الحياء مهلكة للعبد ولعل ماقاله سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه يكون رادعاً، قال : ( إن الله إذا أراد بعبدٍ هلاكاً نزع منه الحياء , فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مَقيتاً مُمَقَّتاً , فإذا كان مَقيتاً مُمَقَّتاً نزع منه الأمانة فلم تقله إلا خائناً مُخَوَّناً , فإذا كان خائناً مخوناً نزع منه الرحمة فلم تلقه إلا فظاً غليظاً , فإذا كان فظاً غليظاً نزع ربقة الإيمان من عنقه , فإذا نزع ربقة الإيمان من عنقه لم تلقه إلا شيطاناً لعيناً ملعناً.أ.هـ

هل نعيد للبحر جريانه ، وللسماء صفاءها،وللنفس هيبتها، وللبهاء حُلَّته ؟

هل تستقيم نفوسنا وتستو فطرتنا، ام نكابر ونحصد شر ألسنتنا في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين سأله،أإنا لمؤاخذون بما نقول يارسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم، ثكلتك أمك يامعاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم" يارب سلِّم، يارب ارزقنا الحياء وحفظ الرأس وماوعى ، والبطن وماحوى، ونق سرائرنا مما علُقَ بها وأنعم علينا بنفوس مطمئنة، تسلك بقضائك، وترضى بعطائك، وتشكر نعماءك،، وتحتسب عندك جل أمورها، دقها وعظيمها، صغيرها، وكبيرها

اللهم ارزقنا أعيناً ترى عيوبها قبل عيوب غيرها، وتنظر في شأنها قبل أن تنظر في شأن غيرها، وتصلح نفسها قبل أن تدعو لإصلاح غيرها

Sunday, September 13, 2009

احفظ لسانك أيها المسكين

ذات يوم جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فجاء رجل وشتم أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- وآذاه، فسكت أبو بكر ولم يرُدَّ عليه، فشتمه الرجل مرة ثانية، فسكت أبو بكر، فشتمه مرة ثالثة فرد عليه أبو بكر، فقام صلى الله عليه وسلم من المجلس وتركهم، فقام خلفه أبو بكر يسأله: هل غضبتَ علي يا رسول الله فقمتَ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزل مَلَك من السماء يكذِّبه بما قال لك، فلما انتصرتَ (أي رددتَ عليه) وقع الشيطان (أي: حضر)، فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان [أبو داود
كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- تجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبلت عليهما أم المؤمنين السيدة صفية بنت حُيَي -رضي الله عنها-، فقالت السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا -تعني أنها قصيرة-، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد قلتِ كلمة لو مُزِجَتْ بماء البحر لمـَزَجَتْهُ (عكَّرته). [أبو داود والترمذي]، أي أن تلك الكلمة قبيحة لدرجة أنها تُنْتِنُ ماء البحر لِقُبْحِها وسوئها.ما هو حفظ اللسان؟المقصود بحفظ اللسان، هو ألا يتحدث الإنسان إلا بخير، ويبتعد عن قبيح الكلام، وعن الغيبة والنميمة والفحش، وغير ذلك.والإنسان مسئول عن كل لفظ يخرج من فمه؛ حيث يسجله الله ويحاسبه عليه، يقول الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18].وقال الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّر اللسان (تذل له وتخضع) تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوَجَجْتَ اعوَجَجْنَا) [الترمذي]. وقال الله صلى الله عليه وسلم: (لا يستقيمُ إيمان عبد حتى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) [أحمد]. وقال ابن مسعود: والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان.
إن أعظم الجرم هو الجرأة على أعراض المسلمين ورميهم بما ليس فيهم، وقد اختص الله تعالى بعلمه لحال عباده
وقد يظن بعض الناس جهلاً أنهم حين يرمون المؤمنين أنهم يريحون أنفسهم، لكنها المغبة التي لا يعلم مداها إلا الله، وفي الأحاديث صحيحة السند،
قال صلى الله عليه وسلم
من حمى مؤمناً من منافقٍ بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلماً بشيءٍ يُريد شَينَه به حبسَه الله على جسر جهنم حتى يخرجَ مما قال "
وفي الحديث الشريف:
يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتّبع اللهُ عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته
وأعظم الكلام كلام رب العالمين فهو سبحانه القائل
قال تعالى : ( وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُبِينًا ) [ الأحزاب : 58 ] .و المعنيّون بالوعيد في هذه الآية هم الذين يستطيلون في أعراض المسلمين ظلماً و عدواناً ( أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه و لم يفعلوه " فقد احتملوا بهتاناً و إثماً مبيناً " و هذا هو البَهت الكبير : أن يحكيَ أو ينقل عن المؤمنين و المؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب و التنقص لهم ) كما قال ابن كثيرٍ في تفسيره .و روى أبو داود في سننه و أحمد في مسنده بإسنادٍ صحيحٍ عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏: ( ‏إِنَّ مِنْ ‏ أَرْبَى ‏ ‏الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ ‏ ‏فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏) .و المنهي عنه في هذا الحديث هو إطالة اللسان ‏ في عرض المسلم ؛ باحتقاره و الترفع عليه , و الوقيعة فيه بنحو قذفٍ أو سبٍ , و إنما يكون هذا أشد تحريماً من المراباة في الأموال لأن العرض أعز على النفس من المال ‏، كما قال أبو الطيب العظيم آبادي في
( عون المعبود ) .و لمّا كان القذف من أشنع الذنوب ، و أبلغها في الإضرار بالمقذوف و
الاساءة إليه ، كان التحذير منه في القرآن الكريم شديداً ، و مقروناً بما يردع الواقع فيه من العقوبة
شفى الله قلوبنا مما علق بها من أسقام، وهدانا إلى الجادة من الطريق .

Saturday, September 12, 2009

بيننا وبينكم الجنائز







في الصحيح أن جنازة مرت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فيثني عليها الناس خيراً فيقول صلى الله عليه وسلم:



((وجبت)).
وتمر أخرى فيثني عليها الناس سوء فيقول صلى الله عليه وسلم:



((وجبت)).
فيتساءل الصحابة؟
فيقول صلى الله عليه وسلم: ((أثنيتم على الأولى بخير فوجبت لها الجنة، وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار،



أنتم شهداء الله في أرضه، أنتم شهداء الله في أرضه)).










أيها السادرون في غيكم، الناسون ليوم تقف فيه الخلائق بين يدي الله عز وجل



الجنائز خير شاهد على صدق الصادقين، وعلى خداع المخادعين



الآلاف تشيع جنازة الداعية المجاهد ولم يمنعها صيام أو حرارة جو



إنه يوم الوفاء لمن وهبوا للدعوة حياتهم



تعساء أهل البغي حين تشيعهم الدعوات، وسعداء أهل الله حين تشيعهم ألسنة الحق



فهم شهداء الله في أرضه





















Thursday, September 10, 2009

وترجل الفارس




وترجل الفارس في زمن دمُ المسلم فيه هدر، وبكاؤه من الألم نغم، لكنه كان رجلاً عرف غايته، لم تلِن له قناة، ولم يفت في عضده تكالب أنظمة الجور عليه، لم يعرف الضعف يوماً، ولم يرفع للاستسلام راية، كان بقيةً من زمن جميل، ارتشف فيه من رحيق الدعوة من نبع رقراق فياض، ترجل الفارس دون أن يتمكن منه ظالم، لقد تلاشى عن العيون يوم كان للجدران آذان تسمع في العصر الناصري، لم ينل منه عبد الناصر، ولم يخضع جبهته ولا هامته إلا لله الواحد الأحد، إنه رجل فذ، وقامة عالية في زمن كثر فيه الأقزام، لقد حرَّك نبأُ موته شجوني وأحزاني، وهيَّجَ سكون نفسي، كأنني به يحدثني يوم قال لي لم أبك في حياتي إلا مرة واحدة، فتعجبت ونحن الذين استمرأنا البكاء، وأدمنَّا العويل، متى كانت هذه المرة ؟ قال يوم قررت أن أخرج من مخبأي ، يومها استشعرت أن معية الله قد زالت، ساعتها سالت عيني بالدموع وأنا الذي تحجرت الدمعة في عيني يوم مات الإمام البنا ولم أستطع البكاء، إنه رجل لا يعرف إلا لغة العمل، أنقذ الإمام البنا من أكثر من محاولة اغتيال، ذبَّ عن دعوته وضحى في سبيلها بكل ما يمتلك، لقد كانت الدعوة رئته التي يتنفس بها، في سبيلها هان كلُ شيء، وبعد أن خرج الرجل للنور، قرر ألا يتزوج وأن يمضى عمره في محراب الدعوة، لكنه مع الإلحاح تزوج وهو بن الخمسين ورزق بأبناء نحسبهم بررة، قال يوم عقد قران ابني طلبوا مني أن القي كلمة، فنظرت إلى أشاوسة أمن الدولة وقلت للناس ، إن الجالسين وراءكم كانوا لا يريدون لي الحياة، قالوا لم نستطع أن نفعل معه شيئاً والآن يتزوج ابني، أراد عبد الناصر قتلي، فأين عبد الناصر الآن وأين أنا؟

لله درك يا أستاذ نا فــــرج

قد كنت في جيل الأستاذ رُبَّانا
طفتَ البوادي وأرضَ الله قاطبةً
وقُدتَ خير دعاةِ الأرضِِ إخوانا
تروى تراثاً لنا بالعز مكرمة
وتنشر الخير برهاناً وألوانا

إنها حياة لله، حمل في قلبه وذاكرته ذخائر ونفائس، ذاكرة حديدية حتى الممات، وتاريخ طويل من الدعوة جاب بها أقطار الأرض، يحمل في قلبه روحاً وثابة، وهمةً توقظ النيام.
عزاؤنا أيها الفقيد الغالي تلك التركة التي خلفتها من أبناء بررة، ومن أجيال شربت من معين تربيتكم الصافي..
عزاء للزوجة الصابرة، وللأبناء الفضلاء، وإلى حبيب قلبي ابنه إبراهيم..
اللهم اغفر لشيخنا وأسكنه فسيح جناتك وألحقه في الصالحين...

د.إيهاب فؤاد

Friday, August 14, 2009

سجدة شكر


سجدة شكر لبلوغ رمضان
كم كنت تعرف ممن صام في سلف *** من بين أهلِ وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم *** حيا فما أقرب القاصي من الدانـي
لماذا نسجد شكراً ؟
لأن الله قد بلَّغَنا رمضان، وسلَّمنا رمضان، لأنه موسم الخير والبركة، والطاعة والعبادة، لأنه وقفة على أعتاب حياة جديدة، وعمر جديد،لأنه فرصة العمر،وسعادة النفس، وراحة القلب
رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح *** هذا أوان تبتل وصـــلاحواغنم ثواب صيامه وقيامه *** تسعد بخير دائم وفــلاح
قال يحيى بن أبي كثير (رحمه الله) : (كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان ، وسلم لي رمضان ، وتسلمه مني متقبلاً.
ففي رمضان تتوق النفس إلى الطعام والشراب، والشهوة واللذة فيلجمها الصيام،وتهذبها الطاعة،وتحيط بها الخشية فإذا زاد الشوق للذة تذكرت عظيم الأجر في الصبر عليها ،قال الإمام ابن رجب : ( فإذا اشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ، ثم تركته لله عز وجل في موضع لا يطلع عليه إلا الله ! كان ذلك دليلاً على صحة الإيمان .
كن في أول الركب
إذا كانت مواسم الخير هي مضمار سباق يتسابق فيه المؤمنون لتحصيل الأجر والثواب، فرمضان قد أقبل وفيه يتنافس المتنافسون،فالفوز لمن بذل قصار الجهد ليكون فى المقدمة طلباً للأجر وتحقيقاً للثواب من الله تعالى ،قال الحسن البصري (رحمه الله): إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا ،وتخلف آخرون فخابوا ! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ! ويخسر فيه المبطلون أ.هـ.
ياحادى الركب تمهل حتى أكون في أوله، فلعلها آخر فرصة لي ولك، ولعلها آخر العهد بالدنيا، فأدرك الخير الوفير والفضل العميم،وهيئ مركب السير لسفر طويل

Saturday, June 20, 2009

سفيرة العُشَّاق

صوت من العقل يا رحمة !!

أنت تعزفين بكلامك أعذب الألحان، وتخطين بقلمك أروع الكلمات
تُحلقين في الغيوم، وتسافرين حيث يسقط المطر وحيث تتناثر زخاته في كل مكان
حيث ترسو السفن يقطن القلب ويستريح
الحس المرهف في الكتابة، والكلمة المتألقة تسافر إلى حيث تجد وطناً يحتضنها، وداراً تستوعبها
وصفات إنسان يكون جديراً بها
هل تسمعي صوتي يا رحمة، لقد كتبتُ في العشق أشعاراً ، وسطَّرت في الغزل ألواناً ورسمت أشكالاً
كنتُ ولا زلتُ أعشق الكلمة الجميلة والحس المرهف الذي ينقلنا إلى حيث الراحة والسعادة
وجدت بعد سنوات من الكتابة، وخبراتٍ طويلة ورحلة مع القلم أنَّ أفضل مايمكن أن نقدمه كلمة جميلة تحمل معنى
وتغزل قيمة، وتنسج إنساناً في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، وتآمر كل شيئ من حولنا على شبابنا، أوهنوا قوتهم، وأضعفوا عزيمتهم
ميَّعوا بداخلهم المروءة، وصوروا الحياة عاشقاً يهيم ، وعاشقة تتقلب على جمر الشوق
ضاعت الأمةُ يوم ضاع شبابُها، وتعثَّرت الأمة يوم تعثَّر شبابُها، وكُلنا يتحمل ذلك العبء، وتلك المسؤلية
لا أنكر عليكِ كلماتك، فهي جميلة، لكنَّ الأجمل منها يا رحمة أن نأخذ بيد الشباب
أن نذكِّرهم بتاريخنا التليد وقلمك أحسبه فياضاً بينابيع الخير
الأجمل منه يا رحمة أن نتكلم في عن الحب تحت عين الله، حيث نؤجر فيه على مشاعرنا،
ما أجمل ذلك المشهد بين أم المؤمنين عائشة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين كان يخصف نعله، وإذا بالعرق يتصبب منه صلى الله عليه وسلم فنظرت إليه أم المؤمنين عائشة فأُخِذَتْ من جمال ما رأت
لقد رأت عرقاً يتصبب وكأنه حبات اللؤلؤ، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم، قال مالك ياعائشة، مالك بُهتِ؟
قالت يا رسول الله أخذت أنظر إلى القمر وأنظر إليك فإذا أنت أجمل من القمر
يارسول الله لو رآك أبو كبير الهُذَليّ لعلم أنك أحق بشعره
قال وما يقول أبو كبير الهذلي يا عائشة؟
قالت يا رسول الله إنه يقول:
ومبرأ من كل غبر حيضة
وفساد مرضعة وداء مغل
وإذا نظرتَ إلى أسرّة وجهه
برقت بروق العارض المتهلل
فقام لها النبي وقبلها بين عينيها وقال: جزاك الله ياعائشة خيراً، ماُسرِرْتِ مني كسروري منك
هكذا كان الحب الجميل، أما سرقة المشاعر ، ولصوصيتها، والتطاول على الحرمات فهذا مانهى عنه الشارع الحكيم
لقد كتبت كتاباً صدر منذ عامين بعنوان: رحلة في مدينة الحب - قراءة هادئة في اوراق المحبين
تعرَّضت فيه للحب دون أن أنكره، ثم تدرجت مع القارئ حتى وصلت إلى حب أسمى ومشاعر راقية
إنها بين الزوجين تحت عين الله الذي يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور
حبذا يارحمة لو وجهتِ قلمَك المبدع لقضايا الأمة، تفاعلتِ معها، وأثَّرتِ فيمن حولك، وأبقيتي خزائنك بما فيها من دررٍ لتكون لك،
لا لغيرك
أرجو أن لا يكون قد ضاقَ صدرك مما كتبت
بارك الله قلمك
د.إيهاب فؤاد

Saturday, May 30, 2009

على ضفاف الذكرى


في مشوار الحياة يقف بنا قطار الزمن في محطات عديدة، وقد ينطلق دون أن يتوقف لحظةً ساعتها ندرك أن ماقطعناه من مسافات ، وما تخطيناه من عمر قد ولي مسرعاً دون أن ندرك قيمته، نلتقي أناساً، نألف بعضَهم ويألفنا بعضُهم، وتستوقفنا مواقفُ وأحاسيس، نصدق حينا، ونتجمل أحياناً، نبتسم حيناً ونتألم أحياناً، نضحك حيناً ونبكي أحياناً، نتعثر حينا ونقف أحياناً
نكبوا ثم نقف، نتلعثم ثم ننطلق، ويبقى في الذاكرة من حفروا أخاديداً تستعصي على النسيان، والعجيب أننا قد ننسى من أسعدونا لكننا أبداً لا ننسى من سببوا لنا يوماً ألما، ومن أسالوا يوماً دموعَنا، قد ننسى من أسدوا لنا معروفاً لكننا أبدا لا ننسى من مزَّقوا قيمنا، ورقصوا على آلامنا، وشربوا نخب سكرتنا وغفلتنا، هنا يصبح حجم الدهشة باتساع الأرض ، ويصبح حجم الخوف بارتفاع السماء، ونصرخ من أعماقنا، لماذا تنقلب الصورة ويتغير الزمن ؟ لماذا يكافؤنا البعض بعضِّ أيدٍ امتدت لهم يوماً ، ولماذا يطفؤوا نوراً أضاء لهم يوماً ؟
لماذا لا يستوقفنا أن نردَّ الجميل لمن أهدوا لنا عيونا، ولمن صَححوا لنا مسارنا، لماذا يجحد الإنسانُ أقربَ الناسِ إليه، لماذا تتغلبُ بشريتُنا على الملاك الكامن في نفوسنا..
قبل أن يروعنا المساء بظلامه الدامس وحلكته المميتة..
قبل أن نسرع الخطى لاهثين...
قبل أن نعد مابقي من أعمارنا في حسرة وندم، علينا أن نقيم حياتنا، وأن نعدِّلَ مسارنا، وأن نصارح أنفسنا أمام مرآة لا تخدع، كفانا كلاماً فقد مضى زمن الكلام، وكفانا ألحاناً فقد أصمت الآذانَ الألحانُ، كفانا تصنعاً فقد أثقلنا رداءً لا يليق بنا.
مازلنا نبحث عن بصيص من نور نستلهم منه إشراقنا، وعن شعاع من شمس يبدد غياهب حياواتنا
نصارع الأملَ ، ونرتشف الحلم، وننام على أجنحة من الحب ترفرف فوق ربوعنا، وتحلق فوق سمائنا .
عجيب أمر الإنسان !!
رافقت الشمس في غروبها دهراً ، كانت سلوتي وسعادتي، كنت أرقبها طفلاً بين أشجار النخيل وهى تتوارى خجلاً رويداً رويداً
عشقت اللون الأخضر في مساحات الأرض، أرى فيه حياتي وراحتي، أبثه همومي، وأحاكيه كما أحاكي خلاني واصدقائي، بيني وبينه رابطٌ لا أعلمه، كلما سنحت لي فرصة لا أضيعها، اذكر أنني مازلت على عادتي القديمة إذا التقيت اللون الأخضر يصافح وجه المياه يتوقف من حولي كل شيئ، لا زلت كما أنا لم أتغير، كلما سنحت لي فرصة لزيارة الريف المصري الجميل لا أضيعها، أختفي عن العيون، قد أخرج من الصباح ولا أعود إلا حين تختفي الشمس، ينشدونني للغداء فلا يجدونني، يغار كل من يعرفني من تلك الطبيعة الأخاذة التي تنسيني أحبابي في لحظات، فهي معشوقتي التي أرتمي في أحضانها كلما هدتني الأيام بمتاعبها، وكلما تكالبت عليَّ الأحداث، وكلما رغبت في أن أخلو بنفسي، تحضرني الذكرى وأنا ألتحف السماء، وافترش العشب الأخضر، وأحلَِّق بغير أجنحة في ملكوت الله، أسبح بخيالي بعيداً ، أرقب الطيورَ في تحليقها، يعبق كياني بالنشوة، وتسكن في أرجائي البسمة، وأتنهد تنهيدة تخرج من أعماقي، تهدهد غفوتي الواعية أنفاسُ حرَّى فإذا بي أنادي يا الله، ما أعظم خلقك، وما أجمل صنعك، وما أجحدنا بنعمتك ؟

د.إيهاب فؤاد

Wednesday, May 20, 2009

كل عام وأنت حبيبتي

كل عام وأنت روحي ومليكة قلبي، ألملم الصقيع في لياليك الجميلة، وأزرع البساتين في دروبك المهيبة
وأنثر العطور حول وجهك الصبوح، كل عام وأنت مني وأنا منك، نستنشق الهواء العليل، تشربين فأرتوي، تنامين فأستريح
تأوين إلى فراشك فأرقبك، أتفرس تقاسيم وجهك وملامح النور التى كستتك فأزداد بك بهاءً
كل عام وأنت النور الذي تستمد منه الشمس بهاءها، والدفء الذي تستمد منه الليالي عنفوانها، والدماءَ التي تُضَخ فتحيي قلبي الميت، كلَُ عام وأنت الروح لجسدي الخامل...
كل عام وأنت بلسم لجروحي، وشفاء لأسقامي وعللي، ودواء لدائي
كل عام وأنت مُلهمتي، تُعطي بلا حدود، وترحم دون قيود، وتُغدِق دون انتظار لشكر أو جميل
كل عام وأنت ضياء أيامي، ومهبط أحلامي ومفردات قاموسي
الندى أنت في صباح جميل، والرحيق أنت في ليالي الربيع، والكون أنت والأمان حين تجور الدنيا، والجنة أنت حين تزل القدم
كل عام وأنت أمنياتي، وأفراحي، كل عام وأنت في قلبي وعقلي وروحي وكياني نعم المعلم والمرشد
كل عام وأنت بألف ألف خير يا أعز من عَرَفْت، ويا خير من نظرت إلى وجهها، ويا ملاذي الآمن
كل وأنت بخير يا أمي الحبيبة
أصالح معك أيامي، وأبني بدعائك أحلامي، وأشيد ببركاتك قلاعي، وأحيي بنبراتك موات قلبي
أحببتك يا أمي ولم أكن لأوفيكِ حقاً، إذا غبتُ عنكِ تلفهتِ علي، وإذا جفاك قلبي الجاحد حنوتِ علي
كم من ليالي أمضيتيها من أجل راحتي، وكم من ساعاتٍ وقفتِ فيها بين يدي الله تتمنين وتلحين أن يبارك غرسك
فاللهم لك الحمد
أغناني يا أمي حبك عن نساء الدنيا، وعوضني حضنك عن أيام غربتي، وسني حياتي المتعبة
إذا جافاني البشر كُنتِ لي صدراً حنوناً، وإذا قستْ علىَّ الأيام كنت لي معيناً
وإذا أجهدتني الأيام أنام على صدرك لأستريح
كل عام وأنت بألف ألف خير ياحبيبة القلب وريحانة حياتي
كل عام وأنتن بألف خير يا أخواتي الكريمات زوجات، وأمهات وبنات، ولقد تأخرت في كتابتها حتى أخالف العادة
د.إيهاب فؤاد

Friday, May 8, 2009

أيها الساكن قلبي

أيها الساكن قلبى ودمى لست أدرى ماالذى جدد فى القلب شجنى ونكأ جراحه بعد طول سنين، رغم طول الشوق ولهفة الحنين..أيها الساكن قلبى، يا من استوطن مساحاتي ،وغرَّد فى حناياى ، وانـتشى في لحظات صمتى ودوامة عمرى، واستقر في اوردتي ،وجرى فى شرايينى، وسرى فى جنبات نفسى، وسبح في أوديتى وأنهارى ، وتدفق في بساتـيـني ، وامتزج في كـياني، واختلط بعظمى ودمى....أيها الساكن، كيف تعيش وحدك، لست أدرى؟لست أدرى كيف أعيش فى بعدك وحدى ، لست أدرى!!عشرون عاما خطت السنون على وجهى خطوط حزن ومجرى دموع وصدى آهات وآلام لبعدك مذ خلفتنى أصارع الحياة وأنا فى مهدها وتصرعنى الأيام وأنا وليدها،كُنتَ لى واحة من الحب غنَّاء،ونسيماً عليلاً وصدراً حنوناً، وأملاً أن أرسم البسمة على وجهك يوما..ايها الساكن نفسى لست أنسى يوم ودعتنى وأنا المبتسم وإذا بأنهار من الدموع تملأ عينى وتشعل قلبى وتمحو بقايا من لحظات فرح انقطع صوتها وتمزق صداها فى نفسى،اغرورقت بالدموع عيناى وأنا أحتضنك ولم أكن أدرى أنه فراق لا لقاء بعده، وبُعدٌ لاقُربَ بعده..أحسست أن حزن الدنيا قد تجمع فى نفسى وأن روحى قد حُبست فى سراديب من الألم حتى أمضيتُ سنواتٍ لايرقأ لى دمع ولايغمض لى جفن إلا وأنت فى عقلى وقلبى فبت وكأن البكاء فالق كبدى..أيها الساكن نفسى لست أنسى أننى حين ودعتك كنت أحلم أن ألقاك بأحلام وصروح تمنيت أن تراها فىَّ وإذا بى أعود لأفتش عنك فى جنبات بيتنا الذى استشعرتُ حزن جدرانه وسكون بواباته وذبول أوراق شجره وسقوط ازهار وروده لأنك تركتها وقد بنيتها من قبل بالأمل والطموح الذى قطعه داعى الموت..أيها الحبيب والغالى لست أنسى أننى كلما رسخت فى الأرض قدماى ومضيت فى طريق الحياة خطوة أتذكر من كان سببا فى وجودى ومن علمنى كيف يصبح المستحيل سهلا يسيرا،كلما تعثرت قدماى أو كبوتُ أتذكر كيف ربيتنى على الأمل وعلى أن الصبر أول مراتب الإنجاز، كلما شغلتنى الدنيا بزخارفها، وطاردنى هاجس المال وشهوته أتذكر كيف عشتَ زاهداً فى الدنيا، تنفق بلا حساب وتعطى بلاتردد،أيها الساكن قلبى كم أحبك، ولهذا أهديك أعطر الكلمات وأزكى الدعوات فأنا من سعيك أحيا ،وبفيض نورك أضئ دربى، فسلام عليك يا أبتى وعلى روحك فى عليين .
د. إيهاب فؤاد

Friday, May 1, 2009

أوراق ذابلة وصياغة جديدة 2

أوراق ذابلة وصياغة جديدة 2

بقلم: د. إيهاب فؤاد

تحدثت في المقال السابق عن الأوراق الذابلة، وأخذت أطرح رؤيةً للتغيير، تبدأ بتغيير النفس؛ لأنه لا يمكن- بحالٍ من الأحوال- أن نغيِّر مَن حولنا دون أن نبدأ بتغيير أنفسنا، ثم أطرح اليوم جانبًا آخر من جوانب التغيير؛ ألا وهو: "تفعيل دور العلماء"؛ لأنهم رموز الأمة، وهم محطة التغيير التي لا يمكن أن يُتَجَاهل دورها، أو أن يُهمَل، وهناك ملامح مؤامرة على العلماء، تتمثل في تغييب دورهم، وعدم اجتماع كلمتهم، وهنا تكمن نقطة الضعف، ولعلي أذكر هنا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا التفريق الذي حصل من الأمة، علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها؛ هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها". اهـ.

لما ذُكر معروف الكرخي في مجلس الإمام أحمد، "فقال بعض من حضر: هو قصير العلم، فقال له أحمد: أمسكْ عافاك الله! وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟"، ولعل صورة أخرى عظيمة تظهر من جانب العلماء، وتحدَّث عنها القرآن الكريم، ألا وهي صفة "الخشية"، والتي جعلها الله من أخصِّ صفاتهم، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: من الآية 28)؛ ولذلك قال الإمام أحمد لابنه عبد الله، عندما سأله عن معروف: هل معه من العلم شيء؟ قال: معه رأس العلم: "الخشية".

إننا نريد من العلماء أن يقوموا بدورهم المنوط بهم في تغيير الأمة وإصلاحها، إننا نريد علماء ربانيين، يُصلحون ما أفسده الناس، لا يخافون في الله لومة لائم، يوجهون الأمة بالحسنى، ويردُّون الأمة إلى سابق عزِّها ومجدها، ولعلنا نذكر موقف العز بن عبد السلام حين أفتى ببيع الأمراء المماليك حتى تصحَّ ولايتهم؛ لقد كادوا له، وأراد والي مصر أن يحول بينه وبين الناس، فخرج العز بعد أن قال كلمة حق، وقبل خروجه أرادوا أن يقتلوه؛ فذهب أحد الأمراء إلى داره، وطرق بابه بقوة فخرج ابنه مفزوعًا، وقد رأى الشر في عينيه، وخاف على أبيه، فهدَّأَ من روعه، وقال: يا بني إن أباك أقل من أن يُقتل في سبيل الله، وخرج فلما رآه الأمير سقط السيف من يده.

لقد قصدت بعد تهيئة الأفراد إيمانيًّا أن أفعِّل دور العلماء؛ لأنهم أهل الثقة، وحين قُلت العلماء؛ إنما قصدت العلماء الربانيين العاملين الذين يخشون الله حق الخشية، ولا يخافون فيه لومة لائم.

ولكي يكون دورهم فاعلاً في المجتمع، فعليهم:
- تَبَنِّي الإصلاح والتغيير السلمي؛ لأن هذا هو الطريق، إنه وإن كان طويلاً، إلا أنه نهج واضح ومن ثوابت التغيير التي يمكن أن تمتدَّ رقعتها عن طريق العمل المجتمعي الذي يقوم على الانخراط في المجتمع.

- توجيه الأفراد نحو الإيجابية، والبعد عن السلبية الممقوتة التي لا تتفاعل مع قضايا المجتمع.

- النصح لقادة الأمة وحكامها بالرفق واللين، والبعد عن المداهنة والتملق؛ لأنه ليس من سمات العلماء الربانيين.

- توحيد الصف لمواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية، واجتماع كلمة العلماء؛ لأن هذا بدوره يؤدي إلى عودة هيبة العلماء؛ ليكونوا جبهة واحدة، وتأجيل الخلاف، وتكوين- أو لنقل- تفعيل جبهة العلماء.

- توحيد الخطاب، والاتفاق على آلية مرحلية للخطاب الموجَّه، وفتح منافذ وقنوات للتعبير عن الرؤى في التغيير.

- اعتماد منهج التربية للتغيير.

إنني كنت- ولا أزال- أرى أن من أهم الطرق لإعداد الأمة هو البناء التربوي التراكمي المؤصَّل، وعندما أطرح هذا الأصل، فإنني ألفت النظر إلى البناء التربوي التراكمي، فالمسلم ما دام حيًّا فهو يتلقى التربية حتى آخر لحظة في حياته، وهناك الكثيرون ممن يمَلُّون البطء في التغيير، ويسعون إلى تخطي هذه المراحل، فلسنا معهم بحال؛ إننا نتعامل مع نفوس بشرية تحتاج إلى صبر ورويَّة، وتحتاج إلى حكمة وحنكة؛ حتى يحقق المنهج التربوي مبتغاه.

أما المنادون بالتغيير بالقوة لأن سنوات التربية رغم طولها لم تفعل فعل السحر، وأن أثرها لا يكاد يُرى؛ فهم واهمون، لأنهم يحلِّقون بعيدًا عن الواقع، فإذا طال الأمد فإن الثمرة المرجوة تكون أطيب.. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

Saturday, March 28, 2009

أوراق ذابلة وصياغة جديدة 1

أوراق ذابلة وصياغة جديدة 1

هاتفني صديقي بالأمس ليناقشني فيما كتبت فقال لقد أتخمتنا الأحداث ، نريد أن ننطلق من النظرية إلى التطبيق، أريدك أن تعرج على دورنا الذي ينبغي علينا أن نفعله، قلت له صدقت، لقد جاء وقت العمل بعد أن هدَّنا الكلام، لكن قبل هذا وذاك علينا أن نفتش في أوراقنا الذابلة لنحيي مواتها، وعن قلوبنا الخاملة لننشط الدماء في أوردتها، وعن حضارتنا المتلاشية لننفخ الروح في جسدها الميت، وعن أمتنا المغيبة لتعود إلى رشدها، إنَّ هذا يتطلب من كل فرد في الأمة أن ينفض عنه غبار النوم، وألا يستسلم لمحاولات الإحباط المدبرة عن عمد لإفشال المشروع الإسلامي للنهضة، إنَّ علينا أن نخطو بجد نحو التغيير، وأن لا نتخلي عن ثوابتنا التي هي أصلٌ أصيل في دعوتنا، هل سألتَ نفسك ياعزيزي لماذا لم نتغير ؟ ولماذا لم يغير الله حال الأمة رغم كل ماحاق بها، ومايحاك لها ؟ هل أصبحتْ الجماعات الإسلامية علي الساحة على قلب رجل واحد؟ هل توحَّدَ الفهم؟ هل يعذر بعضنا بعضا فيما أُختِلفَ فيه؟ هل نجبر كسرنا، نلملم ما تبعثر من أوراقنا أم أنَّ كل فريق يتربص بالآخر !
إنَّ الأمة تحتاج إلى إعادة صياغة من جديد، وتحتاج إلى نهضة حقيقية تتذرع وهي في طريقها نحو الإنجاز بالأمل في التغيير دون تعجل لجني الثمار، إنَّ علينا أن نراجع علاقاتنا مع الله عز وجل، هل نؤدي الأمور المنوطة بنا على أكمل وجه أم أن الكثيرين يعطون إسلامهم ودعوتهم فضول أوقاتهم ؟ علينا أن نكسر حاجز الخوف وذلك الذي علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما حين أردفه خلفه: عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً ، فقال : " يا غُلامُ ، إنِّي أُعلمُك كلمات : احفظِ الله يحفظكَ ، احفظِ الله تجدهُ تُجاهكَ ، إذا سألتَ فاسأَلِ الله ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمَعت على أن ينفَعُوكَ بشيء لم ينفعوكَ بشيء إلاَّ قد كتَبَهُ الله لكَ ، وإن اجتمعُوا على أن يضُرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلاَّ بشيء قد كتَبهُ الله عليك ، رُفعتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحُفُ "
هذه بداية الطريق أن تحفظ الله تعالى ليحفظك في كل شأن من شئونك، وفي كل أمر من أمورك، احفظ الله في دينك وإيمانك، قال الله تعالى ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم)
نحتاج أن تتعلق قلوبنا بالله، وأن نحسن التوكل عليه سبحانه، وأن نستعين به في كل أمورنا فلا نجعله أهون الناظرين إلينا..
نحتاج إلى تصحيح المفاهيم، وإلى توحيد الرؤى، وإلى الإلتحام الحقيقي بالمجتمع لأن التغيير لا يأتي إلا إذا تكاتف الجميع، نحتاج أن ننترس بالدين، وأن نتسلح باليقين ، وأن نوقن بأن التغيير لا يأتي إلا إذا غيَّرنا ما بأنفسنا، نحتاج أن نحمل الأمانة، وأن نبلِّغ الرسالة برفق ولين، نحتاج أن نعامل المرضى من الناس برفق، وأن نمسح على صدورهم، نحتاج أن نوقظ الفكرة الإسلامية، وأن نجمع شتاتنا..
نحتاج إلى حرية العقول والقلوب قبل الابدان، لأن العقول إذا تحررت، والقلوب إذا تطهرت فعلت الأعاجيب، ليس لأحد من الناس سلطان على قلب أو عقل ..
نحتاج أن نقرأ التاريخ لنتعلم الدرس، ولنصحح المسار، نحتاج أن نسقط من حساباتنا منهجية التغيير القائمة على نفاذ الصبر والتي تنادي بأن التربية لم تجد شيئاً، وأننا نحتاج إلى تغيير بالقوة حتى نزيح تلك الأنظمة الجاثمة على الصدور، أقول لصديقي اقرأ التاريخ، إنَّ التاريخ يقول أنَّ الحركات التي قامت على الثورات تحوَّل القائمون عليها بعد فترة وجيزة إلى جلادين فكانت تجربة الشعوب معها مخيبة للآمال.
إن التغيير المطلوب ياعزيزي يحتاج إلى فقه ووعي، ويحتاج إلى صناعة حقيقية للحياة، فالتغيير لا يعني إنزال شعار ورفع شعار، أو استبدال سلطة سياسية بأخرى، أو تغيير مسمى بمسمى
إن الثورة الحقيقية إنما تكون على النفوس التي استمرأت الكسل، واستسلمت لضيق ذات يدها فباتت تبحث عن الحياة داخل دهاليز ضيقة، يصعب معها التنفس، إنَّ التغيير الحقيقي إنما يكون ببناء الأمة وبناء النفوس، واستنهاض الهمم وشحذها، إنها ثورة على القيم البالية التي تركت منهاجها الصحيح وولته ظهرها وهو في أيديها.
إن الأمة تحتاج أن ترى موضع قدمها من خارطة التقدم، وأن تدرك كارثة حجمها الحقيقي حتى تنتبه من غفلتها، فلا أرى سبباً منطقياً لأمة متخلفة رغم ماتملكه من مصادر تمكين متمثلة في منهج رباني قويم، ومقدرات طبيعية، وطاقات بشرية، ورغم هذا تلهث لتعيش، وتقتات على موائد اللئام ممن يتآمرون لسرقة خيرها، والعبث بمقدراتها.
لانريد أمة ممسوخة، إنما نريد أمة تبعث الحياة في بصمتها، وتسترد عزها، وتشق طريقها لتكون رائدة حتى تجلس الدنيا منها التلميذ من أستاذه وللحديث بقية.
د.إيهاب فؤاد

Saturday, February 21, 2009

بطــــــاقة تعـــــريف !!




أهلاً بكم
يا إخوتي
ياباحثين عن الريادةِ جملةً
بين السطورْ

أنا لستُ مِنْ ساداتكم
أنا كائنٌ يغدو يحلِّق كالطيورْ

أنا قِبلةُ الحيران
إنْ ضلَّ الطريق
وإنْ تظاهر لا يثورْ

فقصائدي
روحٌ تحرِّك أمتي
ودمٌ يُعطِّرُ قبلتي
حبري رصيدي
والصحائف مظلماتٌ كالقبورْ

فإذا أردتْم فاقرأوني
في مقالاتٍ كَتَبْتُ وفي
بقايا من دماء كالبحور

الصمتُ يقتلني
يزلزلني
يُكَبِلُني كما الأنعام تغدو لا تثورْ

هذا أنا يا إخوتي
أملٌ يضيئُ
وبسمةٌ تعلو الثغورْ

هذا أنا
بين المآذن موطني
وإلى طريق العز
تشتاق الصدورْ


د.إيـهـاب فـؤاد

Tuesday, February 17, 2009

لوعة حزن على الحبيب حاتم





قد يكون الجرح نزفا ، وقد تكون المرارة فوق أي وصف أو كلام، قد يكون الجرح غائراً، وقد يكون الألم نافذاً إلى حدٍ لا نستطيع معه أن نعبر عما في نفوسنا،هكذا الدنيا، في لحظاتٍ يقطع الأجلُ الأملَ، وننتقل إلى دار الخلود الحقيقي، إلى جوار ربِّ كريم، يعود كل شيئ إلى أصله، وإلى مبتداه، {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ ... }
فلله الحمد الذي يسترنا بالموت، ويكرمنا بجواره فهو سبحانه أرحم بنا من الأم بولدها..
نقبل شئنا أم أبينا، ولا نسطيع للموت دفعاً رغماً عنا، ولا يبقى إلا أن نسلم آملين أن يرفعنا الله بتسليمنا بالقضاء إلى مرتبة علية، وتبقى في النفس مع الألم ذكرياتُ تحرك شجونها، وتثير سكونها فما أعجب الموت الذي ينقلنا من دار إلى دار !
تبقى دموع تسيل على الخدين تخبر بصدق المشاعر، تبقى ابتسامة جميلة رسمها موقف، وحدد معالمها حسن خلق، وسيرة حسنة نعطر بها أيامنا، ونطفئ بها لهيب أشواقنا..
مازلت أذكر ليالينا الجميلة التي كنا نقضيها في الجامعة حتى ينتصف الليل، في سكون غير مسبوق، وهدوء عجيب ، مازلت أذكر ابتسامتك البريئة التى كانت ترسل عبر قسماتِ وجهٍ ملائكي يحمل الحب للجميع، وينشر الحب بين أقرانه...
شذى عطرك يفوح في الأجواء
لقد أقض مضجعي نبأُ موتك، وأسال دموعَ عيني خبرُ رحيلك لكن حسبي حسن الخاتمة، أداء لفريضة الحج، موت في أرض غربة وهي إن شاء الله شهادة..
رزقنا الله صبراً على فراقك، وأعلى الله قدرك ومنزلتك بجنة تسكن لوعة فراقك
...

Monday, February 16, 2009

لوعة حزن على الحبيب حاتم


رَحَلَ الصباحُ وخلفـه
تَركَ المآتمَ والجـراحْ

ياويحَ قلبي إنَّــــه
ماعادَ يكفيه النــواحْ

قلبي لبعدك حاتــمُ
متصدعٌ بالحزنِ فــاحْ

دمعي تساقط حائـراً
ودمي على الخدين ساحْ

عقلي تَسَمَّر عاجـزاً
قلبي مِنَ الأحزانِ صـاحْ

مازلتُ أذكرُ بيننــا
أيامَنا تلكَ المِـــلاحْ

قدْ كُنتَ طيفاً حاتـمُ
قدْ كُنْتَ نجماً بالبطـاحْ

جاورتَ رباً منعمـاً
فاهنأْ فيانعمَ ا لصبـاحْ

فارقدْ هنيئاً ضاحكـاً
بعد الشقاء لمسـتراحْ

بكت المآذن حاتمـاً
وبكى مع الليل الصباحْ
د.إيهاب فؤاد

Saturday, February 7, 2009

إن عدتم عدنا يابني صــهيون

إنَّ من نعم الله على أمة الإسلام أن جعل بين ظهرانيها كتابًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ فيه خبر من كان قبلنا، ونبأ ما بعدنا. وحين تقرأ كتاب الله تعالى تأخذك آياته الكريمة إلى ملكوت الله، وإلى بيانه المعجز الذي يُحيِّر الأفهام، ويُعيي الألباب وأصحابها؛ لا تنقضي عجائبه، ولا يَخْلَقُ من كثرة الرد؛ فسبحانه ما أحكمه!، وما أعظمه!، فما وفَّيناه حقَّه.في أروقة الساسة تدور مؤامرة توحي بغدرٍ يكمن بين ثنايا اللقاءات المتتابعة، والتي تضغط على حكومة فلسطين الشرعية للقبول بهدنة تضيع على مائدتها دماء الشهداء، وأرواح الأبرياء دون ثمن يذكر؛ لتكون بعدها ذلك الفتيل الذي يُشعَل ليقلب الدنيا على رأس حماس؛ ساعتها سيقول المتربِّصون: وماذا جنت حماس؟! لقد كان التفاوض على هذه المبادئ موجودًا، وهي إذن لم تحصِّل شيئًا سوى مزيدٍ من التدمير والإبادة لشعبها، ويحاول الإعلام أن يوجِّه سهامه إليهم ليقبلوا بتهدئة مَشينة، وفي نفس الأثناء تهمس أصوات باحتمال اجتياح موسَّع لغزة ربما كان موعده قريبًا، وهذا ما يفسِّره استدعاء الأطقم الطبية والتحذيرات الرسمية لها.لقد نسي هؤلاء قول الله جل وعلا ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)﴾ (الإسراء).لقد جاءت آيات الله المُعجِزة لتفضح أمر بني إسرائيل الذين أذاقهم الله ويلات الذل والقهر فعادوا إلى ربهم، وفي مقابل عودتهم كان استعلاء المنتصرين، وكان طغيانهم سببًا لأن يقتص الله للمغلوبين من الغالبين، ويمكِّن للمستضعفين في الأرض.لقد فضح الله أمرهم، وأشار إلى استحقاق التمكين حين التوبة والعودة إليه سبحانه، لكنَّ الواقع اليوم مغايرٌ لما عليه اليهود؛ لقد خرجوا من غزة صاغرين، تجرَّعوا مرارة الهزيمة، وحملوا أشلاء قتلاهم وواروا خذلانهم بخطابٍ مَهينٍ عارٍ من الصحة؛ صدَّره وزير دفاعهم بأنهم قد وجَّهوا إلى حماس ضربةً قاضيةً، فإذا كانت الضربة قاضية كما زعم الأفَّاك فلماذا يفكِّرون في العودة؟!لقد عادوا إلى الإفساد كما قال صاحب الظلال رحمه الله تعالى: "ولقد عادوا إلى الإفساد فسلَّط الله عليهم المسلمين فأخرجوهم من الجزيرة كلها، ثم عادوا إلى الإفساد فسلَّط عليهم عبادًا آخرين، حتى كان العصر الحديث فسلَّط عليهم "هتلر"، ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة "إسرائيل" التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات، وليُسلِّطَنَّ الله عليهم من يسومهم سوء العذاب؛ تصديقًا لوعد الله القاطع، وفاقًا لسنته التي لا تتخلَّف، وإن غدًا لناظره قريب" ا هـ.إنَّ غدر اليهود ومكرهم يجري في دمائهم مجرى الدم من العروق؛ ما حفظوا يومًا عهدًا، وما أبرموا يومًا ميثاقًا، ولعلَّ ذلك رسالة إلى المجاهدين أن يقبضوا على الزناد وأن يكونوا على أهبة الاستعداد ولسان حالهم يقول: إنْ عدتم عدنا يا بني صهيون؛ فحرصنا على الموت كحرصكم على الحياة، وحبنا للشهادة كعبادتكم للمال والشهوات، ودفاعنا عن أرضنا أعظم من دفاعكم عن كيانكم المغتصب؛ فحربنا عقيدة، ودماؤنا ضريبة العز والتحرير والتمكين.ويبقى على الأمة دورٌ لا بد أن تلعبه هذه المرة وبقوة، وشعارها: وإن عدتم عدنا.. إن عدتم يا بني صهيون إلى غدركم، وإلى مهاجمة غزة خرجنا عن بكرة أبينا.. خرجنا هذه المرة لنفتح الحدود، ولنشق الصفوف، ولنكون جنبًا إلى جنب مع إخواننا؛ نمنعهم ما منعنا أبناءنا وأهلينا، ونذود عنهم ما ذدنا عن حياضنا؛ ففلسطين أرض كل المسلمين، وقضيتهم قضية كل المسلمين.. إن عدتم عدنا لنخاصم من خذل المقاومين، ولنجابه من شوَّهوا معالم الجهاد.واجبنا أن نوقظ النيام، وأن نهيِّئ الرأي العام لتلك المؤامرة التي يحاولون من خلالها استئصال شأفة المقاومة بعد أن فشلوا في المرحلة الأولى.مخطئٌ من ظنَّ أن المقاومة يمكن أن تخمد ثورتها.. واهمٌ من ظن أن الضغط يمكن أن يُمليَ الشروط.. إن المجاهدين الذين سطَّروا ملاحم العزة في معركة غزة قادرون- بإذن الله- على أن يدحروا اليهود؛ فالمعركة تقودها الملائكة، والله كفيل وحده بالدفاع عن الذين آمنوا وعلى نصرهم، قال سبحانه في محكم كتابه : ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج: 39).
د.إيهاب فؤاد

Sunday, January 25, 2009

إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم


مازلت كغيري من المهتمين بواقع أمتنا ومحاولة تحليله للإستفادة من الواقع مبهوراً بتلك البطولات الأخاذة، وذلك الصمود الذي أبهر الدنيا كلها، وفي نفس الوقت ذلك العار الذي يطارد وسيلاحق المنادين به حتى في قبورهم، لقد بهرني ثبات أولئك الفتية الذين سطروا صفحات من نور في سجل الجهاد، وأيقظوا تلك الفريضة الغائبة والتي كنا نتناولها على استحياء ووجل، خوفاً من البطش والتنكيل والإرهاب، والتهم المفبركة لتلصق بكل حر أبي، لم تكن منظومة النصر التي عزفتها المقاومة في غزة العزة سوى نبت طيب لأمة لا ينضب فيها معين الخير، ولا تُعدَم الرجال الأشداء الذين يذبون عن دينهم ويدافعون عن كرامتهم مهما كان الثمن، ولا تُعدَم أولئك الأطفال الذين ولِدوا عمالقةً في زمن الخنوع، وأباةً في زمن الذل، وأعزاءَ في زمن التنازلات،لم يكن غريباً أن يتحدث الأطفال كأعظم الرجال ليعزفوا سيمفونية الثبات، ولعلني لا أنسي تلك الطفلة التي أبكت وائل الدحدوح على شاشة الجزيرة وهي تحكي عن المجازر والمآسي، وأشلاء الشهداء التي تناثرت أمامها واستشهاد ذويها، ورغم هذا تقول بكل ثبات، لن نترك أرضنا، نعيش هنا، ونموت هنا، فهنا أرض المحشر والمنشر، فبكى كما بكت معه الملايين التي شاطرت العمالقة الأفراح والـأتراح، لقد صنع التاريخَ فتيةٌ آمنوا بربهم، اتخذوا من كتاب الله مؤنساً ومعيناً، ومن قيام الليل زاداً يستجلبون به رحمات الله وغفرانه، تحللوا من الدنيا، فكانت الآخرة جُلَّ همهم، ولم يخدعهم شبابٌ، ولا قوةٌ ولا فتوةُ، لقد جعلوها لله في زمن يعربد فيه أقرانُهم، ويقضون أوقاتهم بين المعاكسات، والمسامرات،والعلاقات العاطفية، جيلٌ رباني، آمن بالله رباً فقاده إيمانه إلى المعجزات، واتخذ من رسوله قدوة فأنارت لهم الطريق، ومن كتاب الله هادياً ومرشداً ودليلاً، فكان نعمَ الصاحب في الدُلَجِ، لله درهم،لقد ثبتوا ثباتاً راساخاً بنفوس مطمئة إلى الحق الذي عرفت،فهو دليلهم إلى الحق الذي عرفوا، وله في نفوسهم سلطان يملك عليهم زمام حياتهم، وفي نفس الوقت آلمني أقزام خرجوا من خباء النساء، يولولون ويتحسرون، ويرتمون في أحضان الإحتلال، يشوهون الجهاد، وينالون من المجاهدين ليسرقوا ثمرةَ الدم والعرق، لعل ألسنَتَهم قد سالت، ولعل لعابَهم قد نزل على أفواههم لرغبتهم الملحة في مزيد من الثراء على حساب وطنٍ مجروح، وشعبٍ مكلوم، والتاريخ كما أنه لا يرحم أحداً فمزابله مليئة بأمثال عبد ربه، ودحلان، ليس عجيباً أن ينعق الناعقون ليبحثوا لهم عن موضع قدم على قارعة الطريق لعل أحداً أن يذكرهم، في أحضان رام الله ترتمي سلطة المحتل التي كبَّلت المجاهدين، وأغلقت دون الإنتفاضة التضامنية في الضفة كل باب، يعلو الرويبضة ويتاورى الفرسان في زمن الأقزام، ولا يضر الشجر أن يرمى بحجر....
د.إيهاب فؤاد

Thursday, January 15, 2009

ياضمير العالم متى تستفيق ؟

ياضمير العالم متى تستفيق !!
آه أيها العالم المليئ بالرزايا، والمحمول فوق كف المنايا متى تستفيق !
كم من دماءٍ أريقت فوقَ أرضك ، وكم من جرائم ارتُكِبت فوق ثراك، وكم من حقوق اغتُصِبت تحت عينك
وكم من مظلوم قهره الظلم، واخرس صوته الجَورُ، وكم من مسكين داسته رحى الجبروت والطغيان !
وكم من أرواح أزهقهتها أيدٍ آثمة دون أن تراعي للبشر حرمة أوتقيم لهم وزناً !!
كم من صرخات دوت في جنباتك ؟
وكم من ضحكات ملأت فضاءك !
وكم من دموع سَحَّت على خدودٍ لم تعرف سوى الألم، ولم تستيقظ يوماً سوى على أصوات المدافع، وضجيج الدبابات وحثيث النار !!
كم من صمتٍ قطعه صوتُ ناعق !
وكم من بومٍ أنذر بخراب دور !!
كم من أحلامٍ عصفت بها رياحٌ عاتية
وكم من آمالٍ لم يدم أَمَدُها ولم يطل عمرها بفعل من سكنوك
أبحث عن وطن آمن لا تحكمه شريعة الغاب !!
أبحث عن وطن يسكن فيه الإنسان، تحكمه قيمُ الإنسان، عن وطنٍ لاتسكنه الغربان
أبحث عن وطنٍ تعلوه القيمة، والعدلُ، لايكسوه الحرمان، عن وطنٍ للانسان..
متى يجد الإنسان راحته، أين ينشد الإنسان أمنه ؟
مالذي قبح في الحياة كلَّ جميل؟
ومن الذي أجهض كل بذرة للخير دون أن تنبت؟
أين رحابة الكون، وفساحة الفضاء؟
أين ضحكات الصبايا، وألعاب الأطفال، وأحلام الملوك؟
لماذ أصبحنا غرباء في أوطاننا؟
غرباء في أفكارنا؟
غرباء في معاملاتنا؟
غرباء حتى بين لاقرب الناس إلينا؟
أين أخوة الدين، اين أخوة الدمـ أين أخوة النسب؟
أين أخوة المصير، ووحدة الهدف ؟
أيها العالم قد أوولمك في وقت لايلومك أحد؟
وقد أعذرك في زمن لم تعد تجدي فيه الأعذار ، لكنني لا أعذر بني قومي الذين تخلو عن مصدر عزهم طائعين، وتنازلوا عن قيمهم وقدموها قرابين، لا أعذر قوماً بين أيديهم مصدر قوتهم، ومكنمن عزهم ويصرون على أن يستبدولوا بقوانين الله قوانين أخرى..
بني قومي ألا نستحق أن نقف على أعتاب ماضينا ،ة نأخذ العبر ، ونستلهم العز والمجد، ونوقظ الأمل في قلوب طالما اشتاقت لتبقى عزيزة ؟؟
ألا يتسحق الإنسان أن يستشعر نعمة الأخوة، نعمة الدين، نعمة الإسلام؟
ياضمير العالم ألا تستفيق؟
أنما حرك سكونك صراخ الأطفال؟
أما هزَّ أركانكَ بكاءُ الثكالى؟
يا إخواننا في أرض الجهاد، ياتيجان رءوسنا هل تعذروننا وقد غُلَّت أيادينا، وحيل بيننا وبينكم على غير إرادة منا؟؟
يا دماء الشهداء الزكية هل نزفك يغفر قلة حيلتنا وقد عاف الكرى أجفاننا في ليل شديد الوحشة
لكننا نرى عيوناً تبصر رغم الضباب، وآذاناً تسمع رغم الجدران، وشمساً تطل على الدنيا تملأ الكون دفئاً
فما عادت تجدي الكلمات !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. إيهاب فؤاد

Monday, January 12, 2009

صدر حديثاً


ولدي إليك وصيتي !



ولدي إليــــك وصيتـــي

فوصيتي كـــنزٌ ثميـــن
أشهرْ سلاحــــك لِلـــعدا

زلزلْ عروش الطامعينْ
كُنْ في الصفوفِ مجـــاهداً

واحمـــلْ سلاحك لا تلينْ
ذُدْ عن حياضك ثــــائراً

شوِّه وجـــوه الخائنيـــن
خُذ مِنْ نبيـــك قـــــدوةً

لا تَتْبَـــعنَّ الهالكيــــنْ
الجبنُ آفــــــةُ خـــــانعٍ

الجبنُ زادُ العاجزيـــن
البـــــأسُ يصنع أمـــــة

بدمائهــــا نصـر مـبـيـن
د.إيهاب فؤاد

Sunday, January 11, 2009

عناقيد الغضب

عناقيد الغضب !!
صرخات تشق صوت الفضاء، وأنفس تبيت رهينةَ قيدِ السجان، وعسس يهدر بصوت العناء، ورءوس تثقلها كثرة الأنواء، صيحات مع كل صباح ومساء تنطق فينا ، وتعربد في أجوائنا المتخمة بالكثير من الأهازيج، كلما علا صوت المؤذن استنكر فينا خنوعنا، وضعفنا، وهزالنا، وصمتنا المريب، خيولُنا لاتصهل، وسيوفُنا لاتضرب، ومدافُعنا لا تدوي، وطائراتنا مقصوصة الأجنحة، ودفاعاتنا مخترقة، ليوث على بعضنا البعض، أسود محليون من الطراز الأول، ونعامات دولية أيضاً من الطراز الأول ، متناقضات في متناقضات، لكنها توحي بإفلاس في القيم، وغياب للضمير، وتفضح مؤامرة خسيسةً،حتى أنه ماعاد يجدي انتسابنا للعرب، وماعاد يثمر انتماؤنا للوطن، وهتفت مع من هتف، بعد أن وقعنا فريسة للعجز، وتسمرنا في الأرض، بينما أرض الرباط تنتهك، يضاجع قدسنا أخس الخلق، لم يعد يشفي غلتنا غضب، ماعاد يمحو العار، ماعاد يجدي أن نتغنى بشهامة العربي، وكرم العربي، بعد أن فقدنا شهامتنا، وهجرنا مروءتنا متناسين أن الله سائل كل راع عن عتاده الذي يحبسه ودماء المسلمين تنزف، وعن جيوشه الخامله وجيوش الكفر تعربد في أرض الإسلام، بينما تاريخنا ينهار، ومآذننا تستباح، وأمتنا تسقط، يذبح أبناء الأمة على مرأي من أعين لم تعد ترى، وآذان فقدت سمعها، ونتذرع بالصمت العاجز، ونتشدق بديمقراطية عرجاء، اليوم دعاة الحرية والديمقراطية حظروا بث قناة الأقصى، يستكثرون على المجاهدين أن يعبروا عن أنفسهم، وأن تكون لهم قناة تتحدث باسمهم، والله إنها من بشريات النصر، واستكمال لمسلسل الهزيمة، والإفلاس الذي بدأ بضرب المدنيين العُزَّل، واعتقال الأبرياء الآمنين، وقتل الأطفال، وترويع الشيوخ، إنه الإفلاس الذي لطخ وجه صهيون بالعار، والذل، والشنار، يريدون أن يغطوا هزائمهم، وأن يكتموا أسرارهم المشينة، وأن لايظهروا بطولات المجاهدين التي أقضت مضاجعهم، ودكت حصونهم، وزلزلت قلاعهم وجعلتهم يتخذون من الملاجئ الأرضية سكناً يدارون فيه فزعهم، إنها بشريات النصر التي وعدها الله عباده الصابرين، ووعدها المتقين، وملامح الهزيمة للقوة المزعومة، وإليكم بعضاً من هذه البشريات :
*لم ينجح الجيش الصهيوني في اصابة خلية اطلاق صواريخ واحدة.. رغم التحليق المكثف لطائراته.. ورغم مساحة القطاع الضيقة التى لا تجاوز جواً مساحة الثلاث عشرة كيلو وهو مايجعل من اطلاق الصورايخ أمراً بالغ الصعوبة .. ورغم ذلك لم تتوقف الصاوريخ، وتضرب بكفاءة عالية، لايفقد صاروخ هدفه، ولا يضل طريقه، والاستمرار في حد ذاته دليل على انتصار المقاومة لأنه كان هدفاً رئيسا من الحرب اليهودية على غزة..
*مفاجآت القسام تتوالي ولأول مرة بدات اولى مفاجات القسام تتضح.. بصواريخ يصل مداها الى 45 كيلوا متراً.. لتضع قرابة ثلاثة ارباع مليون صهيوني تحت تهديد القصف الصهيوني..!
*صواريخ القسام جعلت سكان المدن والمغتصبات في محيط ال50 كيلو متر يعيشون في الملاجئ وبعضهم توجه إلى تل أبيب هرباً من نيران القصف الصهيوني.. أصبحت مدينة بئر السبع "وهي من المدن الهامة" في مرمى النيران القسامية وتم اصدار الاوامر باخلائها حتى اشعار اخرJ.. ولعلنا شاهدنا صورة وزير الصناعة وهو ينزل تحت عجلات احد السيارات اثناء حدوث صوت صاروخ في مؤتمر صحفي .
*جميع قيادات الصف الاول والثاني والثالث القسامية والسياسية.. بفضل الله تعالى لم يصب احد منهم باذى..ولم يسجل الصهاينة نصراً باصابة أحدهم.
* استهداف المدنيين، والجامعات ،والمدارس، والمساجد، والبيوت دليل إفلاس وانكسار وهزيمة.
* المبادرات الهزيلة للبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه.
على المستوى الشعبي
صمود يستحق الدراسة، وثبات يستحق الإشادة من جانب الفلسطينين في غزة دون استثناء.
*تفاعلات في أنحاء العالم، وخروج للملاين حركها صمود الأبطال في الميدان. ويظل حداؤنا الدائم :
هذي الديار ديارنا مهما خبت .... فينا المروءة والشجاعة ياعرب
هذه الدماء دماؤنا مهما جثت ..... بعد السلام أنوف قوم للركب
هذا الشهيد شهيدنا مهما عبث .... صوت الخديعة في أناشيد الغضب
الأرض تقسم أنها لن تنحني ..... وكذا صبايا القوم في عز تهب
ويبقى الأمل في نصر الله لعباده، نصراً يعز به الإسلام وأهله، ويخذل الباطل وأهله.
د. إيهاب فؤاد

Saturday, January 10, 2009

شكراً لكم وإن كنتم لا تستحقون !!


شكراً لكم وإن كنتم لاتستحقون ....!
سألني صغيري كم قتل اليهود من من حماس يا أبي ؟
فقلت له لم يقتلوا احداً من حماس، إن من طالتهم الرصاصات قد ارتقوا إلى ربهم، وأنعم عليهم بالشهادة، والذي يموت شهيداً ياولدي حي عند الله يرزقه، ويطعمه، ويكسوه، ويلبسه من حلل الجنة، قال ياأبي حين أكبر سأقتل اليهود، قلت له افعل ياولدي
وانتهى الحوار، وفي اليوم التالي أعاد سؤاله، فأجبته بمثل إجابتي ، لكنني توقفت قليلاً مع سؤاله، وهو الذي لم يتجاوز الخمس سنوات ونصف، وقلت شكراً لكم بني صيهون وإن كنتم لاتستحقون الشكر، لقد غرستم في ولدي دون قصد منكم حب الجهاد، وفطمتموه على كرهكم، لقد علمتم ولدي أن الشهادة أسمى مايطمح إليه الطامحون، شكراً لكم أنكم أيقظتم هذه الروح في قلوب الصغير قبل الكبير، ماخطر ببالي يوماً أن يسألني ولدي عن حماس، عن تلك الشجرة المورقة التي استمدت نهجها من معين صاف، بدأه رسول الله، ثم جدده شهيد الإسلام الإمام البنا في العصر الحديث، لم أكن أعرف كيف كنت سأشرح له هذه المعاني العظيمة، وكيف كنت سأحدثه عن الجهاد ضد الأعداء، وهو الغض الطري، الذي في مقتبل حياته، شكراً لكم أن وحدتم الأمة، وجمعتم كلمتها، وأيقظتم الإيمان المخدر في قلوب أبنائها، لقد اجتمعت الأمة ولأول مرة على طريق واحد، شجبت، استنكرت، تفاعلت، أعلنت عن أرواحها لتقدم رخيصة لترفع اللواء، شكراً لكم أن جعلتم عيوننا تذرف لحال إخواننا، لقد جعلتمونا نسترخص الموت في سبيل الله، أشعرتمونا بعز الإسلام، وبمعية الله ، وبفضله على من اصطفاهم لحمل اللواء حين سقطت كل الرايات، لقد ذكرتموني في انتفاضتكم الأولي حين قلنا حان قت الجهاد بالمال، وإذا بطفل صغير يتبعني خلف السيارة راكضاً وهو يقول، ياعم خذ هذا لإخواننا في فلسطين، وإذا به يناولني مايحمله في يده من( البسكوت)، ونظرت فإذا امرأة طاعنة في السن تنادي يابني، فقلت لها لبيك يا أماه، قالت خذ هذا لأولادنا في فلسطين، وإذا به طبق به مايقارب النصف كيلو من الأرز، فسالت دموعي، وقلت إن امة هذا حالها هي أمة لن تموت، حقاً هذه الأمة تمرض لكنها لن تموت، وتكبر لكنها لاتشيخ، وتهرم لكن ظهرها لاينحني، وتهادن لكنها لاتعطي الدنية في دينها، واليوم يتأكد صدق حدسي، إنها تلك اللحمة التي سطرتها ملاحماً سيذكرها التاريخ بأحرف من نور، لقد أيقظ اليهود معاني العزة في قلوب رجال أشداء، سطروا بجَلَدهم صفحات ناصعة البياض، الجثث تتناثر، والدماء تلطخ الجدران لكنهم صامدون ، وشامخون شموخ الجبال الشم الرواسي...
إن المرحلة وأحداثها توجب علينا تبعات جساماً:
1. حسن الصلة بالله عز وجل، فإن المحن تقرب من الله، بطول سجود، وصيام وقيام.
2. الدعاء، سهام الليل التي لا تخطئ طريقها، والإلحاح عليه سبحانه.
3. الثقة في نصر الله عز وجل وإن تباهى الأعداء بما يملكون من عتاد، فما عند الله يغني، ويكفي، ويقي.
4. التذرع بالأمل لأنه مفتاح النصر " {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }المجادلة21
({أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }الحج39
5. إن معايير النصر الربانية على غير معايير البشر، فليس النصر بقوة عتاد وسلاح، إنما بمدد الله تعالى لعباده، قال تعالى (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة249
6. الجهاد بالمال، ولا أقول التبرع، فهو واجب علينا يرتقي مرتبة الفرض لحاجة إخواننا الملحة إليه، فأروا الله من أنفسكم خيراً ({مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة245
وفي موضع آخر في سورة الحديد يقول سبحانه ({مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }الحديد11
إن غاية المنى هى الفوز العظيم حين نقدم أنفسنا وأموالنا لله عز وجل، قال تعالى ({إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111
د.إيهاب فؤاد

Sunday, January 4, 2009

دموع حائرة




ليت الذي يبكي من العين ماؤها !

إنها دماء بعد أن جف من العين الماء
في جوف الليل، حيث سكن كل شيئ من حولي، وهدأ كل شيئ، سقطت من عيني دمعة على الأسيرة، المحاصرة
غزة، وليتها تريح قلبي، لقد سقطت دمعة أججت في القلب ذلك الشوق إلى الشهادة في سبيل الله
هناك حيث الأمان الأبدي، غلى جوار الله ذلك خير
لم يعد في دنيا الناس مايُبكى عليه، إذا ضمَمْنا أبناءنا وأبناء إخواننا يلتحفون السماء
وينامون على أصوات الطائرات والقذائف والمدافع، إذا طابت أنفسنا بالعيش وإخواننا يرابطون، ينتظرون الشهادة بشوق
ويسخرون من الأهوال، يتذرعون بالإيمان، ويسخرون من إخوة ممسوخة، وجوار لايغني ولا يُسمن
إذا عزَّت علينا الحياة ياغزة وهُنت علينا فلا نملك إلا الدموع التى تسح ومع كل دمعة تحمل ألف لعنة، وألف ألف دعاء
إنها دموع العاجز الذي لايملك أن يقدم شيئاً
هل أتى علينا زمان تذرعنا فيه بأسلحة النساء من البكاء والعويل، ورفع الصوت ؟؟
أين صوت الأمة؟
أين عتاد الأمة؟
ظني أن في سوق النخاسة والخردة مكاناً يناسب أسلحتنا التى لا توجه إلا في صدورنا
ودروعنا التى لا تحمي حتى ظهورنا
أتى علينا زمن أصبح باطن الأرض فيه أحب إلينا من ظهرها ...
تجمدت المشاعر، وقست القلوب، واعتلى الروح الهزال الذي أفقد الحياة طعمها
يا إخواننا في غزة أنتم عزنا وفخارنا !!
يانساء غزة أنتن تسطرن التاريخ
يا أطفال غزة لقد سبقتم اعماركم، وكبرتم قبل أوانكم، وحرتم براءة المرحلة، فهنيئاً رجولتكم المبكرة
يامرابطون على الثغور، من كان الله معه فلاشيئ عليه
لله دركم ياحملة اللواء، هنيئاً لكم ذلكم المقام عند الله، قال صلى الله عليه وسلم " من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها "
لقد اختاركم الله تعالى لفضله، ومنحكم شرف إحياء الفريضة الغائبة، صدق حبيب الله حين قال:
(لا يجمع الله في جوف رجل غبارا في سبيل الله ودخان جهنم ومن اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله سائر جسده على النار
ومن صام يوما في سبيل الله باعد الله عنه النار مسيرة ألف سنة للراكب المستعجل ومن جرح جراحة في سبيل الله ختم له بخاتم الشهداء
له نور يوم القيامة لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك يعرفه بها الأولون والآخرون ويقولون فلان عليه طابع الشهداء
ومن قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة )
هنيئاً لكم ساعة في سبيل الله هي خير من الدنيا ومافيها
قال صلي الله عليه وسلم فيما رواه سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضعُ سَوْط أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرَّوْحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها ) [ البخاري رقم 2892، فتح الباري (6/85) ].

أيها الثائرون على الظلم، والمتمردون على الجور، الله معكم، تقبل الله جهادكم،وحرر أرضكم، وحقن دماءكم
وأنعم عليكم بنعة الأمن في الدنيا والآخرة

د.إيهاب فؤاد