Sunday, October 25, 2009

إلى الحبيب خلف الأســــــوار


إلى كل حبيب قيَّده ظالم، وغيبه عن بيته من لايرقبون في مؤمن إلَّا ولا ذمة، إلى حبيب القلب الذي أرَّقني نبأٌ اعتقاله، رفيق الصبا، وشقيق الدرب،الحبيب عصام شرف الدين، حقيق أنني لم أجزع لاعتقال أحدٍ كما جزعتُ لاعتقال مصعبَ هذا العصر، إنه الفتى الرقيق المدلل،الذي كنا نقول له مداعبين متى يأتي علينا التجنيد الإلزامي لنرى فيك يوماً فترى شظف العيش، وكنا نمازحه بذلك، حتى أنه حين تعرض لذلك وتطاول عليه الشاويش، ضربه فأسال دمه، ولم يكن له من مخرج سوى أن يرضيه، يومها أمره أن يزحف داخل طرقات دورة المياه، يومها أسرع إلى أبيه وقال لن أذهب مرة أخرى، لقد كان أبوه من أبطال أكتوبر الحاصلين على وسام الجمهورية والحاصلين على نوط الشجاعة، ودارت الأيام دورتها، وتعاقب الزمن، ومات السند، والده الكريم، وقبله بعامين ودَّعت الكريمة أمه الحياة،وتقلبت الأيام، ولما قرأتُ نبأَ اعتقاله هزني ذلك، فأسرعت أتصل هاتفياً، حتى يسَّرَ الله لي أن اهاتفه، وتحدثت معه، فوجدته مبتسماً، فقلت له صبراً أيها الحبيب، وتذكرت قول ربي جل وعلا :
وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (إبراهيم)
لو بلغ بنا الأذى مبلغه، لو قيدونا، وسجنونا، لو اختطفونا من بين أبنائنا، وزوجاتنا ، وأهلينا، لو روعوا الصغار، ولو تطالوا على حرمات بيوتنا، فلا يزيدنا ذلك إلا صبراً..
أيها الحبيب أذكرك بقول الله تعالى:
( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً)
ولعلَّ ما يريح القلب وتسكن إليه النفس ، قول الله عز وجل:
(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)
والحقيقة أن من سلّم لله أمره، واستسلم وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله تعالى له هو أسعد الخلق على ظهر الأرض.
أوصيك أيها الحبيب بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
أكثر من قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل )
إن في الصلاة راحة القلب، وسلامة النفس، وسكينة الجوارح، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين)
عليك بسهام الليل، عليك بالدعاء، فإنه سِرٌ من أسرار تمكين الله عز وجل للعبد
اطرق باب ربك بدعوات في جوف اللليل، وركعاتٍ في ظلام الليل، أسلم لله قياد أمرك، وأخلص لله نيتك ودينك، وتذكر أخي نفسك وإخوانك بدعوات بظهر الغيب فإنَّ العبد أقرب مايكون من ربه حين تنزل به المحنة،ويحل عليه البلاء، فلا تنسنا يا أخي أنت من دعائك، تمسك بحبل ربك واسأله التثبيت، وعليك بدعاء حبيبك محمد( يا مقلِّبَ القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، قال الله تعالى :
ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين))، وقال: ((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء، وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب))، وكان التأكيد أشد في قوله: ((لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور))
إنه طريق الرسل والأنبياء، طريق الصادقين، طريق ليست مفروشة بالورود ولا الرياحين، لكنها مفروشة بجهاد المجاهدين، فثباتهم على الطريق انتصار لهم، ومضيهم قدما في دعوتهم رغم ما يحاك بهم من غير تراجع دفقة في شرايين الأمة،وسيعلم الظالمون حين تطول وقفتهم بين يدي الله تعالى في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، كم من جرم ارتكبوه يوم اقتحموا البيوت على رءوس أصحابها، يوم روعوا الأطفال ، وانتهكوا حرمات البيوت، في وقت يرتعُ فيه قتلةُ الشعب آمنين، يُحبَس أصحاب الدعوات، ويُطلَق اللصوص، إنها شريعة الغاب في زمن انقلب فيه الهرم، فأصبح الشريف متهماً، وأصبحت السجون مأوى لخيرة أبناء الأمة..
إن سجَّانك يا أخي مسجونٌ خلف قضبان سلطانه، ومخدوع بمن حوله، إنه محبوس في نفسه، أمَّا أنتَ فليس لأحدٍ على روحك سبيل أو سلطان إلا خالقها.
التفتْ إلى مَن حولك مِن الناس جميعاً؛ هل تجد فيهم إلا مصاباً، أو مبتلى، أو مهموماً، أو مغموماً؛ إما بفقد حبيب، أو بغياب عزيز، أو بنزول مرض، أو بسماع فاجعة، أو بغيرها من البلايا، ولا يعني هذا غضب الله عليهم، ولقد كان أكثر الناس بلاء الأنبياء، والسائرون على دربهم يتعرضون لما تعرضوا لهم، غنه استعلاء الروح فوق كل مايكدر صفوها، وماينغص عليها سبيل سعادتها وغداً يرى الظالمون سوء فعلتهم فيا كل مَن أوذي، يا كل مَن ظُلم، يا كل من قُهر، يا كل من أصيب بمصيبة، يقول الله تعالى:
( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
صبراً أخى فى محنتي و عقيدتى ***** لا بد بعد الصبر من تمكين
و لنا بيوسف أسوة في صبره ***** و قد أرتمى بالسجن بضع سنين
هون عليك الخطب لا تعبأ بهم ***** إن الصعاب تهون بالتهوين
ستسير فلك الحق رغم أنوفهم ***** و يذل كل منافق و جبان
بالله مجراها و مرساها ***** فهل تخشى الردى و الله خير ضمين
سنعود للدنيا نطب جراحها ***** سنعود للتكبير و التأذين
يقسم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الفرج قريب وأن النصر آت، حيث رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أشد المواطن، وفي يوم يُعدُّ من أحلك الأيام،حيث تجمع عليه الأحزاب من كل صوب وحدب وهو يوم الخندق الذي قال الله فيه: {إِذْ جاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونا (*) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً}، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليفرجنّ الله عنكم ما ترون من الشدة، وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمناً، وأن يدفع الله عزَّ وجلَّ إليّ مفاتيح الكعبة، و ليهلكنّ الله كسرى و قيصر و لتنفقنَّ كنوزهما في سبيل الله.
.
قال مسروق رحمه الله: كان رجل بالبادية له حمار وكلب و ديك، و كان الديك يوقظهم للصلاة، و الكلب يحرسهم، و الحمار ينقلون عليه الماء و يحمل لهم الخيام. فجاء الثعلب فأخذ الديك، فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً، ثم جاء ذئب فمزق بطن الحمار و قتله، فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً، ثم أصيب الكلب بعد ذلك، فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً. ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا قد سبي من كان حولهم و بقوا هم سالمين، و إنّما أُخذَ هؤلاء بسبب أصوات الكلاب و الحمير و الديكة، وكانت نجاتهم في هلاك ما عندهم.
صبراً أخي فدولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة...

د. إيهاب فؤاد

Thursday, October 8, 2009

الله موجود

ما أجمل بساطة المصري وهو يسفر عن إيمانه في قلبه بكلمات بسيطة وعبارات موجزة، إذا ظلمه ظالم، قال الله موجود، وإذا تجبر عليه أحد قال الله موجود،وإذا سلبه أحد حقاً من حقوقه قال الله موجود،إنها ببساطة وسلاسة ويسر
سحابة من رحمة تظل المؤمن كلما استشعر أن الله موجود، إنها تعني أن العدل موجود، وأن الرحمة موجودة، وأن الخير في ركاب البشر موجود، وأن السلام موجود، وأن السكينة موجودة، إنها تعني بقاء الخير أبد الآبدين، واندحارالشر إلى غير تمكين، الله موجود، ما أجملها من كلمة، ترطب الفؤاد، وتثلج الصدر، وتزيل الهم، وتدحض الضجر، وتفرغ القلب من كل شاغل يشغله، فالعدل أساس الملك، والرحمة ميزان الحكم، فوجود الله تعني مغفرة الذنوب، وستر العيوب، وقبول التوبة مالم تغرغر، إنه شعور الواثق في كرم من لايتصف بعظيم الكرم سواه، وجود الله يعني أن تعمر الأرض بذكره، وأن تسبح الملائكة بحمده، وأن يعم المعمورةَ كرمُ فضله، فما أعظم الخالق الموجود
أيها الساكن بين عناكب الهموم هوِّن عليك النفس، وارح منك القلب فالله موجود
أيها القابع خلف غيوم الحياة، (إن مع العسر يسرا
وجود الله يشعرك بركنه العظيم، وجواره الذي يعلو فوق كل جوار
إنه جوار يجعلك لاتحزن على شيئ مضى، ولاتفرح لما هو آت، وإذا دهمه مايكرهه قال بلسان الحال والمقال" وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
وهو لا يتطلع إلى مافي يد غيره وحاله"أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (المؤمنون
فهو يتقلب في فضل الله تعالى، ويستنشق عبير كلامه الذي تهدأ في ظلاله النفس" ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير...لكى لا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم والله لايحب كل مختال فخور (الحديد)..
ويعود النور يحلق في جنبات النفس المؤمنة وهي تستشعر وجود الخالق العظيم، مدبر الكون، ومسير الخلق
)إنه نور يرشد صاحبه حين يتخبط غيره في ظلمات الجهالة، ويأخذ بيد صاحبه حين تتكالب عليه المحن وتتناوب عليه الآهات فتجعله يشعر أن كل محنه لن تذهب سدى إذا تلقاها المؤمن صابراً محتسباً غير ضجر ولا متأفف، وأن دموعه لن تضيع هباء إذا سحت من خشيته، وإذا رفعت لله مظلمته وعبرت عن خشيته، وأن صبره لن يذهب أدراج الرياح إذا احتسبه لله،وأن محنَه منحٌ ربانية، ونفحات علوية، فالله يحب أن يسمع مناجاتك وأن تبثه شكواك في تسليم مطلق لإرادة علوية تصحبك مشيئته، وتسيرك قدرته
فهوِّن النفس فالله موجود
واستكثر من الخير فالله موجود
وتصالح مع النفس فالرحمن موجود
وسلِّم لله قياد أمرك، ولاتنم من ليلك وفي قلبك ضغينة لأحد
واطمع في كرم ربك وعظيم فضله، وجزيل عطائه، فهو يعطي بلا حساب
وينعم بلا أسباب، ويغير الحال من حال إلى حال بين طرفة عين وانتباهتها
سبحانك وبحمدك، لانحصي ثناء عليك، ولا حول ولا قوة إلا بك
د.إيهاب فؤاد

Friday, October 2, 2009

وانطفأ المصــــــباح



سيطر عليَّ هاتفٌ أن أبحث عنه، أن أحادثه، غلبني شوق جارف لحبيب لم أره منذ ثلاث عشرة سنة !!
باعدتنا الأيام، تقلبنا على جمر الشوق، وامتطينا صهوة الكفاح، نصارع هنا، ونغالب الشوق هناك، كل قد خرج يطلب هدفاً ويأمل أن يحقق غاية، التقينا في مطلع التسعينات، جمعتنا أيام جميلة، كنا نمارس كرة القدم التي كان عاشقاً لها، وإذا ما فرغنا عدنا إلى حيث يجمعنا سكن جميل، ثم يحمل كل منا الكرة على رأسه ونتبارى في عدد المرات التي يمكن أن تستمر الكرة على الرأس دون أن تسقط، لقد كانت المرات بيننا سجال، مرة له ومرة لي، عرفته أخاً صادقاً وفياً، تعرضت يوماً لمحنة جعلت ضعاف النفوس الخائفين على أرزاقهم يخافون أن يلقوا عليَّ السلام، كان ساعتها جسوراً، شعر بما أشعر به من ألم الأصدقاء الذين يغيِّرون وجهةَ سيرهم حتى لا يقابلونني خوفاً على أرزاقهم، قال لي يومها دعك منهم، استضافني ثلاثة أيام وأقسم يومها أن أكون ضيفاً عليه حتى أغادر، زرته بعد عودتي، وتركتُ له كتابَ الله أغلى هدية وقد كتبت عليه سطوراً قليلة قلت له ستذكر كلامي يوماً، ومضت الأعوام، وتتابعت السنوات، قلتُ لماذا لا أتصل به، لقد انقطعت أخباره عني، وانقطعتُ عنه سنوات طويلة، حصلت على هاتفه عبر الشبكة العنكبوتية، رفعت السماعة زهرة صغيرة، فقلت لها الأستاذ مظهر موجود؟ تركت السماعة وسمعت صوتاً آخر يرد عليَّ، قلت لها هل هو موجود؟
قالت لا، قلت لها وأين هو؟ هل سيعود بعد قليل ؟ قالت لا، لقد توفي، فأسقط في يدي، قلت لها هل هذا بيت فلان؟ قالت نعم، قلت لها، أخوه فلان؟ قالت نعم، قلت لها أعتذر كثيراُ، قالت لقد توفي منذ عامين، فتألمتُ ألماً شديداً، وتركتُ الهاتف من يدي بعد أن قدَّمتُ اعتذراً ملؤه الأسى والحزن، لقد نكأتُ جراحها، لقد كانت زوجته
اعتذرت وأطرقت على الطاولة وأنا أتذكر شريطَ ما كان بيننا..
لقد ماتَ الحبيب مظهر، عن شبابه حدِّث ولا حرج، وعن لياقته البدنية حدِّث ولا حرج، وعن صحته حدِّث ولا حرج، لقد ما تَ الحبيب، لم أستطع أن أسأل عن سبب وفاته لشعوري أنني نكأت جرحا في قلب زوجة أسأل الله أن يرعاها وأن يرعى أبناءها، لكنه مات، وهكذا يموت كل شيء ، كل جميل في حياتنا سرعان ما ينقضي، كل جميل سرعان ما يمر مرور الكرام...
لهفة قلبي على الحبيب مظهر مصباح إبراهيم، ماخطر ببالي أن أتصل لأسأل عن حاله فيفجعني نبأُ موته، آه ما أقسى الحياة، وما أشدَّ ألم الفراق !!
أيها الموت !! يا مفرق الأحباب، ياهادم اللذات، ومفرق الجماعات، كم يصرعنا كل يوم نبأُ فقدِ حبيب
لقد ارتعدت فرائصي، مات الحبيب، صرخات تجلجل في جنبات نفسي، لوعة وحرقة في قلبي، مرارة في حلقي، ألم وغصة، وبين طيات الدموع التي سحَّت على وجنتي كانت الدعواتُ بأن يرحمه الله رحمة واسعة، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يبارك له في ذريته، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته
اللهم اجمعنا به في ظل عرشك ومستقر رحمتك، يارب ! أنت أرحم به من خلقك فارحمه رحمة لا يشقى بعدها، واسقه بيد حبيبك محمد شربة لا يظمأ بعدها.
رحمك الله رحمة واسعة....