Tuesday, March 2, 2010

الدُّرُ المكنون

يتيه القلب في غفلة ، وينقطع النَفَسُ وصاحبه يلهث وراء الدنيا، وتضيع أعمارنا وقد نحقق ما نصبو إليه وقد لا ندركه، تفنى الصحة، ويزول الشباب، وتتوارى العافية خجلي خلف برقع العمر وتعاقب الأعوام، ويصبح الأخضر يباباً، يكبر الصغير، ويهرم الكبير، ويشفق على نفسه المفرِّط وهذه سنة جارية إلى قيام الساعة، لكن هناك معالم على الطريق لا تخطئ أصحابها، ولا تنفك عن طالبيها، وهناك أناس يمدوننا بالأمل، ويبثون فينا روح العمل، يُحلِّقون في سماء الهمة، ينافسون الصقور في أعلى الذُرا، ويزاحمون الشياهين في فضاء رحب، لا تتوقف حياتُهم، يبكرون مع الطيور،ويطلبون الرزق من جواد كريم، يحتسبون الأجر إذا عزَّ في الدنيا، ويطلبون المغفرة وإن لم يقصروا، يعلموننا الثبات دون أن يتفوهوا بكلمة، ويلقون على مسامعنا دروساً دون أن ينطقوا ببنت شفه، أحسبهم ذلك الجيل الفريد، الذي صنعه الله على عينه، تحمل الشدائد، وصمد أمام أعتى الرياح، تشبثوا بالبيعة في أعناقهم حين تهاوى غيرُهم، ذاقوا الموت كريماً تحت سياط الجلاَّد، قضى منهم من قضى وهو لم يغير ولم يبدل، وصمد منهم من اصطفاه الله تعالى، ضربوا أروع الأمثلة في التضحية ووقف حياتهم لله، مواقفهم معنا لا تنسى، ونهجهم في التربية مثل يُحتذى، حال الواحد منهم بين قائم، وراكع، وساجد،ترى لهم قوة في دين، وإيماناً في يقين، لله درهم، إنهم جيل التضحيات في الدعوة الراشدة، حياتهم العادية مدرسة في العلم، وما يظنه غيرهم مما لا يُؤْبه له إرث تربوي ضخم، أذكر أحدَهم أمدَّ الله في عمره، وبارك همته، ضربت يوماً أكباد الإبل طلبا للعلم حتى حططت رحالي بذلك البلد فهاتفته وقلت له أستاذي أنا في المطار، وكانت المرة الأولى التي هاتفته فيها في حياتي، فقال عليك بنية الرباط في سبيل الله، ثم قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل امرئ يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه يجرى له أجره إلى قيام الساعة" فتعجبت من هذا الفقه، ولما قابلته وجدته يحمل شعار صدقة المليون، وهو دائم الذكر، لسانه رطب به في غير توقف، إنها ربانية فطرية غير مصطنعة، تحملوا عبء الدعوة في زمن جَبُنَ فيه الكثيرون، وضربوا أروع المثل في زمن بايع فيه غيرهم، وإذا بالأقلام السافرة تحاول تشويه مسيرتهم وتنعتهم بصفات تلقى الرعب في قلوب من يتعاملون معهم، تارة يسمونهم بالقطبين، نسبة إلى شهيد الدعوة الأستاذ سيد قطب، وتارة أخرى يقولون إن من بينهم إصلاحيين، وليبراليين،ووو ...، مسميات ما أنزل الله بها من سلطان، وسيبقى هؤلاء عبقا يعطر سماءنا، ونوراً يبدد غياهبنا، وأملاً يأخذ بأيدينا، وسنداً بعد الله يعيننا، إنهم الدر المكنون، والكنز الذي تغتني به النفوس، يقطعون الأرض وثبا وركضا لايبالون بأذى يلحق بهم ، ويحتسبون في صمت ، ويعلمون في رفق ولين ، ووجه تتلألأ بالنور، ولعلي هنا أذكر ما يُرطِّبُ الفؤادَ من تلك الثقة المتناهية التي حملها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم كان على المسلمين عظيما، يوم صدع بها سعد بن معاذ رضي الله عنه في يوم بدر حين جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ليشاورهم في الأمر وييمّم وجهه الكريم شطر الأنصار ويقول: " أشيروا عليّ أيها الناس.." ونهض سعد بن معاذ قائما يقول: " يا رسول الله.. لقد آمنا بك، وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنافامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك.. ووالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا.. إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء.. ولعلّ الله يريك ما تقرّ به عينك... فسر بنا على بركة الله"... تألق وجه رسول الله بشرا وفرحاً فكانت كلماته بلسماً على القلوب، وبرداً وسلاماً على النفوس "سيروا وأبشروا، فان الله وعدني إحدى الطائفتين.. والله لكأني أنظر إلى مصرع القوم".. إنها كلمات حفظتها ذاكرة التاريخ ووعتها لجيل وَعَدَ فصَدَقَ، وعاهد فوفَّى ، ومات ولم يغير ولم يبدل، ثبتوا على الحق أمام عتاة الجاهلية، وأراقوا دماءهم زكية وشعارهم " وعجلت إليك رب لترضى" ، أوراق تسقط حين يأتي دورُها وتفيض الروح إلى بارئها مهما طال العمر أم قصر، ولقد أسال موت سعد رضي الله عنه على إثر إصابته في غزوة الخندق مدامع أصحابه وهم يوارونه الثرى ، ويحفرون قبره، يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: " كنت ممن حفروا لسعد قبره.. وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب، شممنا ريح المسك.. حتى انتهينا الى اللحد".. وكان مصاب المسلمين في سعد عظيما.. ولكن عزاءهم كان في بشارة حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم حين سمعوا رسولهم الكريم يقول: " لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ
أولئك آبائي فجئني بمثلهم.....إذا جمعتنا يا جرير المجامع..
،بارك الله أعمارهم ، وبارك أعمالهم، وبارك جهادهم، ومتعهم الله بالصحة والعافية ما أحياهم، وألحقهم الله وإيانا بحبيبه ومصطفاه محمد \

صلى الله عليه وسلم غير مبدلين

د.إيهاب فؤاد

5 comments:

كلمات من نور said...

بارك الله أعمارهم ، وبارك أعمالهم، وبارك جهادهم، ومتعهم الله بالصحة والعافية ما أحياهم، وألحقهم الله وإيانا بحبيبه ومصطفاه محمد
صلى الله عليه وسلم غير مبدلين
____________________________

آمين آمين آمين ...أسأل الله لنا الأقتداء بهم والإبتعاد عن الفتن والمهالك في هذا الزمان و الفوز بالجنة والنجاة من النار ....تحياتي

Anonymous said...

مقال رائع عن أُناس أروع

مافئت أفتقد هذا القلم فى أحد الأمكنه

بارك الله بك وبارك فيك ولك وأستجاب دعائك وأظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله

أحبك فى الله
فلا تنسانى من خالص دعائك الطيب

عابر سبيل

د.إيهاب فؤاد said...

يا أخوة الخير

بارك الله تعليقاتكم الطيبة ورزقنا حبه وحب من يحبه وحب عمل يقربنا إلى حبه
-------------
أخي عابر السبيل
أحبك الله الذي أحببتنا فيه
لكن اين تفتقدني ؟

Anonymous said...

هناك حيث الوعد حق ......
أفتقد قلمك الحــر

د.إيهاب فؤاد said...

صدقت يا أخي
أسأل الله أن يجعل عودتنا قريبة