Monday, February 7, 2011

الفرج القريب


جفَّ مدادُ القلم أمام أحداث جسامٍ مابرحت تختلس من الدروب عنفوانها ،وتستمطر الموت فوق هامات الحفاة! وهى تمد أيديها المثخنة بالجراح، وتفتح ذراعها المبتور من الألم على حال أمتنا الثكلى، فتنصت الآذان وتُؤْخذُ الأعين! وهي لا تدري حتى الساعة بأي ذنبِ صمتت وبأى جريرة أُخِذتْ !!
إنَّ من بواعث الهمم، وتجديد العزائم، وانتعاش النفوس بعد اليأس ، أن نترقب فرجاً قريباً وأملاً أضحى قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، أن نشعر أنه بعد كل ليلٍ طويل ، يأتي فجرٌ مشرق بنور الله،على يد كوكبة من المؤمنين الصادقين العاملين، المتجردين لله تعالى، كوكبة ينضوي تحت لوائها من تجرعوا مرارة الصبر على المحن المتتابعة ،ومشقة مجاهدة النفس، و من تفطرت أكبادهم قهراً حتى ظنوا أنَّ النصر أضحى ضرباً من الخيال، ثم مالبثوا أن عادوا إلى رشدهم ، و تألقت أرواحُهم أملاً فى يوم جديد على بقعة جديدة ، وليكن من تمام إيماننا وسلامة عقيدتنا أن نترقب نصر الله تعالى وأن نلتمس تمكينه فى الأرض، فى تحقيق ماكنا نصبوا إليه، ماكان بالأمس حلماً وأضحى حقيقة تراه العيان،ما كان بالأمس كخيوط الشمس الذهبية، لاتمسك به، حتى بتنا نترقب إطلاله ليجدد العزم..
لقد عشت حياتى أتأمل قمم الجبال وأرقبها بنفس نهمة شغوفة كى تتسلقها وتجتازها، فإذا ماواجهتني الصعاب أزلتها وأنا التمس من الله القوي العون والنصر والسداد، كم ليالى أمضيتها أقلِّب فى أمهات الكتب ، ثم أقلِّب وجهى فى السماء سائلاً المولى أن يلهمني رشدي وصوابي حتى أحقق ما أريد، كم دموع ذرفتها لقلة حيلتي ولضيق صدري ، فإذا برحمة الله تمسح حزني وتزيل همى...
كم أمل عاش يطاردنى فى ليلى ونهارى فأعمل مافى وسعى لأحققه فإذا ماحققته تطلعت إلى غيره...
لقد تنفست أريج الهمة من سير الصالحين والتابعين وتعلمت كيف يصبح المستحيل واقعاً من سير الأنبياء والمرسلين، فبت من ليلي وهمتى هى زادي، وعتادي، تعلمت فى مدرسة الهمة أنََََّ ترقب النصر هو مفتاح التمكين فى الأرض، وأن التبعة الملقاة على عاتق أهل الحق، أن لاتفتر عزيمتهم، وأن لايكلَّوا من العمل الدائم المستمر حتى تتحقق غايتهم، لأن وراثة الأرض تعني أن تتحقق الخلافة فيها ولن ينجح المستخلفون بعزائم واهية وقوى خائرة، فهى تحتاج إلى عزمٍ شديدٍ وإلى نفس لاتركَنْ ولاتُهادن، ولاتستريح حتى ترى مقعدها من الجنة،
صدق ربنا القائل فى كتابه الكريم: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"
فالنصر يحتاج إلى جيل رباني، ينفض غبار النوم والكسل، يربط حبله بحبل الله المتين، يقوم حين ينام الناس، ويكتحل بالأمل حين ييأس الناس، ويزمجر حين يخبو صوت الناس، ويكون النصر بجيل يُقبل على العبادة وينهل من الطاعة وهو يستشعر التقصير،ويحبوه أملٌ في مزيد من القرب من الله ونُصبَ عينيه حسن الظن بالله تعالى، الربانية تعني في أبسط صورها أنَّ كل أمر مصدره الرب سبحانه وتعالى، والرباني هو الذي يلتزم ذلك المنهج في كل أمر من أمور حياته، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً }النساء174
قال الله تعالى: كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران
79].
إنَّ الأمة أحوج ماتكون إلى رجال الليل الأتقياء البرره، الذين إذا أقسمَ أحدُهم على الله لأبره، بأمثالهم تنتصر الأمة، وبأمثالهم تعود الأمة إلى سابق عزها، والربانية تحتاج إلى عمل حقيقي، وإلى حسن توكل على الله، وإلى همة عالية، فطالب الجنة لا ينام.
د. إيهاب فؤاد

No comments: