Saturday, February 12, 2011

صباح الحـــــــرية

إنَّ القيود التي طوَّقَت الأعناق، والأغلال التي تركت أثرها على صفحات الحياة، والأحمال التي تركت الظهور معوجة فترة من الزمن سرعان ما تلاشت وتبددت في صباح نسيمي جميل، عطره دم الشهداء الذين دفعوا الثمن طيبة به نفوسهم، استهانوا بالحياة فكان الخلود الأبدي في مقعد صدق عند مليك مقتدر، الأقزام الذين تطاولوا على كل حر شريف وسفَّهوا آراءهم، وشوهوا معالمهم، صوروا الشباب كدمى متحركة، فقدوا الانتماء، وانشغلوا عن الهدف الأسمى بما يقتل أوقاتهم كانوا شعلة وضاءة، وقامة عالية، صمدوا حين حاول الإعلام المزري في زمن القهر أن يقلل من دورهم، وحين حاول بقايا وأزلام الرجال وأشباههم أن يفقدوا مصر وعيها، وهي التي عاشت شامخة أبية، عزيزة عصية على كل معتد، من رامها بسوء قصمته، وسولت نفس الطاغية له أن يمتطي الشعب على مدار عقود ثلاثة أشبه ما تكون بكابوس، خلَّف وراءه فقراً، وجوعاً وأمراضا فتكت بالشعب جراء المواد السرطنة، وطبقة كادحة تبحث عن لقمة العيش ليسد جوعها، ماتت الطبقة الوسطى ولم يبق في مصر سوى طبقتين، احداهما امتطت صهوة جواد الثراء على أشلاء الشعب المغلوب على أمره، استعملت كل أسلحتها الفتاكة لإحباط الشعب، فكان الإعلام المسموع والمرأي والمقروء بوقا لنظام مستبد، وكانت البلطجة سلاح أشباه الرجال، وكان التزوير ساحة نزال ، وطبقة فقيردة معدمة ، تصارع من أجل البقاء، وتنفي عمرها بحثاً عن لقمة العيش، تراكمات عبر سنوات طويلة اختزلت في ضمير الشعب على مدار الثلاثين من السنين حتى انطلقت الشرارة التى سبقها بعام انتفاضات متقطعة، وتمرد من هنا وهناك، دغدغت العظام ، وأتت على كهولة النظام ، تصدت لنظام أمني وقمعي، حملت معاول الهدم لتقيم على أنقاض المتآمرين قصورا، ولتبني لمصرنا صروحا من المجد، عادت القامة عالية، وتنفست الدنيا الصعداء، فإن قامت مصر قامت معها الدنيا، ترقب الجميع ما يدور داخل الحلبة، حاول الطاغية أن يلعب على وتر الشعب العاطفي بالفطرة، المتسامح بالسليقة، الخالي الوفاض إلا من العزة، تارة يصرخ أنه قد وعى مطالب الشعب المشروعة، متى وأين؟
أين كان ذلك الوعى منذ سنوات طويلة؟ أين كانت تلك الرغبة الجامحة في أن تكون مصر بلد المحيا والممات؟ لماذا لم تعمل لهذه الساعة، وكأني بأهل البغي تعساء، حتى قبورهم عليها هوان الذل بين المقابر.
لقد أوقفت مصر الدنيا، حبس العالم أنفاسه، ترقب الملايين عبر الشاشات وعبر الشبكة العنكبوتية ما تسفر عنها المواجهة الغير مسبوقة، بين شعب مزقه الغلاء، وضربه الفقر، وهده المرض، وكتم أنفاسه الظلم والطغيان، وبين طغمة حاكمة تسيطر على مقدراته، وتنثر خيرات الوطن تحت أقدامها، داست في طريقها كل قيمة، وأهانت في طريقها كل مبدأ، أصبحت الأمانة بينهم عملة نادرة، خرج الأقزام وتوارى العمالقة لأنهم لم يجدوا ضالتهم بين ذويهم وأهليهم، طال الليل، وتعاقبت الأعوام، فنيت أجيال، وولدت أخرى، ولم يدر بخلد أحد أن لكل شيئ إذا ما تم نقصان، وأن الدنيا إذا أضحكتك فغداً ستبكيك، أضحكتهم الدنيا قليلاً ، ثم بدأوا يتجرعوا كأس المذلة والمهانة، حين وقف الشباب يدافع عن حريته بحياته، حين وقف الشباب يروى ظمأه وغلته بدمه الطاهر النقي، تلاحم الشعب ، صغاره وكباره وإن كانوا كلهم كباراً، رجاله ونساؤه، مسلموه ومسيحيوه، جسد واحد، يد واحدة، ولعلي ذكرت حين تحدثت عن الثورة الخضراء في تونس أن المراهن على الشعب هو الفائز الحقيقي، وأن المراهن على السلطة، والبطش، والقوة قد راهن على حصان أعرج في حلبة السباق، اليوم يسطر التاريخ صفحة جديدة، دعوني أقول أنها أول السطر، ويسدل الستار على حقبة مريرة ولعلها تكون الأخيرة في قاموس الطغاة، لقد كسر الناس حاجز الخوف، كانوا دروعاً واقية حين ترك مغاوير الداخلية أماكنهم ليبثوا الرعب في قلوبهم، وكانوا حصناً منيعاً حين اجتاح طوفان الطغيان الأخضر واليابس، انهارت منا الدموع، وجافت عيوننا ساعات النوم ولا نملك غيرها، نحن الذين تجرعوا الغربة، ورضينا بالسفر سبيلاً للتخلص من متاعب الحياة وهمومها، سجدنا مع من سجدوا، وصلينا مع من صلوا، ودعونا مع من دعوا أن يزيح ربنا الغمة، وألا يرد الجموع الهادرةإلا وقد شفا غلتها، وحقق مآربها، وقضى ما خرجت إليه، ولعل الهغ استجاب دعاء المصلحين، أو دعوة أم رءوم، وأم ثكلى دعت بحرقة أن يقتص الله لها، لقد جاءت قاصمة للظهر، وكاشفةً للستر وفاضحة العوار، فخرج من مصر ذليلاً مهاناً، تشبث بكرسيه فلم ينفعه تشبثه، واحتمى بجنوده فلم يغنوا عنه من قدر الله شيئاً، توسل إلى الشعب بتاريخه فلم يصادف ذلك أذنا تسمع، والتمس ثرى مصر مأوى له فلم تذرف عليه دمعة، وتلك نهاية كل طاغية.
إننا اليوم لسنا شامتين، لقد حققت الثورة هدفها الرئيس، ويبقى أن تحرس ما جنت، وأن تحافظ على مكتسباتها، يبقى أن ننطلق بنفس الحماس لنعيد لمصر مكانتها، يبقى أن ينطلق الشباب بهذه القوة والفتوة إلى ميادين العمل ليعيدوا مصر إلى سابق عهدها، تاج العلاء ودرة الشرق، إنَّ ما هو آت لا يقل بحال عن ما ماضى وسلف، إن مصرنا جديرة بريادة الدنيا كما كانت جديرة بأن تكون أما لها، مصر حاضرة التاريخ، وقبلة العلماء لا يصح أن تظل قابعة خلف أسوار الزمن، ولا يصح أن تكون خارج خارطة التأثير، آن لمصر أن تدفع القاطرة وأن تتصدرها، آن للشباب أن يقدموا لمصر ما يعلي من شأنها، فإلى العمل، وإلى الجد، وإلى غد مشرق وصباح وضاح، ترفرف على جنباته رايات الحرية، حمى الله مصر، أرضاً وسماء، وشعباً ووطناً.
د.إيهاب فؤاد

2 comments:

كلمات من نور said...

تحية إلى ارواح الشهداء التي تحلق في سمائنا فرحة فخورة بنا

تحية إلى كل أهالي الشهداء الذين ارتفع صوتهم مزغردين فرحين بنصر مصر ولو بالتضحية بهم

تحية إلى مصررررررررررررر

د.إيهاب فؤاد said...

تحية إلى أرواح الشهداء، وإلى الشهداء الأحياء وأملنا أن يحفظ الله مصـــر مما يحاك بها
مرور كريم وتعليق متأخر جداً لكنه واجب