Friday, January 21, 2011

هيهات هيهات


مع كل سنة تمضي نخسر ألف عام، يفقد البسطاء أحلامهم في الحياة، يرفعهم الوهاد ، وتحطهم المهاد، تزداد غربتنا كلما اقتربنا من أوطاننا، بون شاسع وفرق هائل بين الذين يبنون صروحا في الحياة، وبين الذين يشيدون للآخرة خلودا سرمديا، وبين هذا وذاك مسافة هائلة، شتان بين النور والظلماء، لم أكن مبالغاً ولن أكون إن قلت أن قلمي تحجر عندما انطلقت انتفاضة العام الجديد، انتفاضة البسطاء، انتفاضة الجوعى، انتفاضة الفقر، الكبت، البحث عن الحرية، البحث عن أبسط حقوق الآدميين في الحياة والأمن، إنها ثورة ظلت حبيسة القلوب عقدين من الزمان، المصلحون غيبتهم يد البطش والطغيان، بنى الديكتاتور بين الناس وبين الدين حجابا ،قيد الحريات، أمعن في تهجير المخلصين من أبناء الوطن، وكان الرهان الأكبر أن ينتفض البسطاء، تساوى الموت مع مرارة الحياة فكم من أحياء يدبون الأرض لكنهم أموات، وكم من أموات يرتجلون كل يوم بيننا، جعلوا من حياتهم حياة لغيرهم، ومن دمائهم مدادا لأوطانهم، فكانت الثورات التي قدمت الأرواح عزيزة في سبيل الحرية، إننا بحاجة إلى وقفة جادة، وإلى دراسة متأنية، الرهان على الشارع لا يقبل المزايدة، الشارع يملك التغيير، غاب السياسيون، وغابت الأقلام عن حلبة الثورة، أنهى الشباب حياتهم وربما كان حلمهم لا يتعدى المطعم والملبس والمأكل، أرادوها كذلك فكانت أسمى من ذلك، والملفت هو هشاشة عظام الظلم والديكتاتورية، لم تقو على الصمود ساعة ، وهذا يفسر موقف تلك الحاشية التي تتخلى عن الحلبة حين يحتدم الصراع ويحمى الوطيس، الأقلام التي كانت بالأمس تسبح بحمد النظام تغيرت بقدرة قادر وانحازت إلى صفوف الجماهير، لعلهم هامان كل عصر، يزينون الباطل، ويجملون القبيح، ويفرشون بساطاً من الورود والحياة الحالمة، ويجعلون حول كل طاغية سياجاً يعزله عن الناس، ويحرمه صوت الجماهير، وأنا أتابع هذا الأمر لا أريد أن انفي ان المسئولية لا تقع علي الطغاة وحدهم ، فالقوم لهم ضلع فيما أقترف حين ركنوا الي الطغاة واتبعوا امرهم . قال تعالي عن مآل فرعون وقومه : " فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد.. يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود"(هود / 97،98) وقال تعالي : " فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين" (الزخرف/آية 54) وعن قوم نوح قال تعالي " قال نوح ربي إنهم عصوني واتبعوا ما لم يزده ماله وولده إلا خسارًا "( نوح/آية21 ).
ينبغي ونحن نلوم الحكام أن نراجع أنفسنا ... فنحن أيضا لسنا بمنأى من سوء العاقبة، وطرف أصيل فيما يجري، بل طرف مؤثر في احداث التغيير بنحر الفساد واقامة العدل واحقاق الحق ونصر الله تعالي في الأرض. أولم يكفنا أنا تعلمنا أن الانفتاح علي مباهج الدنيا وزينتها فقط دون زاد الآخرة هو بمثابة الرهان علي حصان أعرج خاسر؟.
لقد جاءت ثورة التغيير والتصحيح على أيد البسطاء، إنهم قنبلة موقوتة في مجتمع يبيت أهله على الطوى ويحملون هم النهار الذي تبزع كل يوم شمسه مع مطالب الأبناء، مع لقمة العيش التي تسد الرمق، وشربة الماء التي تروي الظمأ بينما نفر قليل يحتكر حياة البزخ، ويتمرغ في قوت السعب، أثروا على حساب البسطاء، تآمروا على إرادتهم، زيفوا كل أصل، وزوروا كل رأي، حين يفقد الناس يا سادة كل بريق في الحياة، لا يكون أمامهم سوى الموت، ولعلي أقول هيهات هيهات أن يفقد الناس الأمل في التغيير، إن الحذِر يؤتى من مأمنه، وإرادة الشعب أقوى من إرادة الطغاة والمتكبرين. رحم الله الدكتور مصطفي السباعي حين قال:
(لولا الطغاة لما عرفنا أدعياء الحرية من شهدائها، ولا أصدقاء الشعب من أعدائه، ولالتبس على كثير من الناس من بكى ممن تباكى.
وهذه حقيقة لا مراء فيها، فحين يجد الجد، يقول المخلصون كلمتهم، ويعرف الغث من السمين، ولعل أبلغ تصوير لسيكولوجية الطغاة هو حقدهم المدر على شعوبهم وعلى أمتهم‘ فإذ كان الحقد على المستوى الشخصي يودي بصاحبه فإن حقد الطاغية فإن حقد الطاغية يدمر الأمة تدميرا لأنه يذل الأمة ويفسح المجال لأعدائها، ويغيب إرادتها، ويشوه معالمها ووراء كل طاغية متكبر من ينفخ في أذنه، ومن يقوي من عضده، ومن يشد من أزره من الغرب رغم أن أمثاله في بلادهم لا تقام لهم قائمة، ويصلبون على أعواد المشانق ولكل طاغية حوارييه وندماؤه وجلساؤه، يصورونه للأمة بطلاً لا يغلب، ومناضلاً لا تشق رحاه، ولا يصدق هراءهم سوى سفهاء الأحلام والعقول، يتهافتون على موائد الطاغية ليسيرون مصالحهم، ويدافعون عن بقائه حفاظاً على وجودهم وحياتهم، فبقاؤه حياة لهم، وموته وئدا لأحلامهم وطموحهم الجامح، ولا يتهاوى على موائده إلا خفافيش الظلام التي لا تجيد العيش في وضح النهار، هؤلاء تدوسهم مواكب الأحرار، وهم كالفراشات التي تهوي إلى الضوء فإذا ما دنت منه احترقت، وحين يسقط الطاغية يكونون أول من ينتقده، وحين يعارضون هواه يكونون أول من يضحي بهم . فلا تعجب من مغمورين سلطت عليهم الأضواء، وبرزوا في وسائل الإعلام ، إنهم الذين يحرقون البخور، ويطبلون لها.
إن سكوت المصلحين يفسح المجال للطالحين أن يكونوا عوناً للطاغية، ولهذا حذرنا ربنا في كتابه الكريم بقوله ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)، ولهذا فأكبر عقاب أن تبتلى الأمة بشرارها ليحكموها، وأول طريق التغيير والخلاص هو صوت الجماهير المقهورة، ونبض الشارع المغلوب على أمره، إنه بداية النهاية.
د.إيهاب فؤاد

No comments: