Sunday, January 2, 2011

تأملات في مدينة الحب 1



من هنا نبدأ
منذ البدء، كان الحب عنوان البقاء ،ورسول السعادة وسبيل الحياة ، ليس لقوارب الكلمات قدرة للإبحار، أو الوصول لشاطئ الصدق دون تلك العاطفة التي تتأجج في نفوسنا فتحرك جوانحنا، وتبدد مخاوفنا، وتُسكننا ديار الأمن والسكينة، لقد بحثت عن الحب وفتَّشتُ في دواوين الشعراء ، وأساطير الأولين، وأرَّقني ذلك، ومع هذا أحاول أن أصل لبر الأمان في محاولة منى لجمع شتات قلوب الشباب على تلك المشاعر التي تفتح نوافذها لتيارات دخيلة، تلوث كل نظيف، وتعكر كل صفو، وتفرغ المشاعر من مقاصدها الجميلة وحكمها البالغة ، أتحسس بعكاز العقل حين تحار الأفهام وتختلط الأمور،بعيداً عن مؤثرات الهوى والميل الفطري كي لا أقع في حفر العاطفة الجامحة التي لا يضبطها ضابط ولا يهذبها سلوك ولا يحكمها خُلُق، وجوارح تنشد الكمال،وترنو إلى المعالي، لسانٌ ينطق، وعينٌ ترى، وقلبٌ يشعر، ويدٌ تمتد، ونفس تتمنع ،وخواطر تختلج،لقد اختلط الحابل بالنابل في دنيا المشاعر، وغدا الجميل قبيحاً بتشويه معالم الحب التي أرادها الله تعالى عنوان الحياة، وجعل المودة سبيل الحياة الوديعة ثم أحاطها بالرحمة، ولقد جاء الحب جملة وتفصيلاً ليسيطر على عقول الشباب والفتيات في مرحلة من العمر، هي أشبه ما تكون بحالة الفوران، تداخلت الأوراق ، وأصبح الذي لا يحب غريباً، أو ربما كان شاذاً عن القاعدة، فتفسخت الأخلاق، وذَبُلَت أوراق الفضيلة، وساعد على ذلك الإعلام الذي لا يبرح يعرض تلك المشاعر وقصص الغرام مابين مسلسلات وأفلام،و مقالات، وصور جعلت المجتمع لا ينكر مثل هذه الأخلاق، وروَّج لهذا غزو حثيث لشبابنا عماد الأمة وباعث نهضتها، ليتمكنوا من ضرب الأمة في مقتل،فغدا الشباب كالطيور التائهة المتسكعة في الظلمات، لا تعرف وجهتها ولا تدرى إلى أين تولى قبلتها، فتتركه المشاعر صريع الأحزان وأسير النزوات ، فأصبح الشباب بين هائم وعاشق وولهان،كمن يبحث عن عسل في عش النحل دون غطاء يستر وجهه، فلا هو حصَّل العسل، و لا هو خرج من ذلك العش سليماً معافىً !
إذا قلت حب، تفجرت المشاعر ينابيعاً، وبدت الذكريات واقعاً، ينقلك إلى عالم الفضيلة، والقيم النبيلة، إذا قلت حب، هبت رياح الأيام، وأطلت نسمات الربيع، وتمايلت أغصان الأشجار،وازدهرت الأوراق، واكتست الأيام بألوان من البهجة والسرور والحبور، إذا قلت حب .. حملتك الذكرى إلى صورٍ ومشاهد تستعصى على النسيان،وتتعالى على الآلام والأحزان، إذا قلت حب، فحدِّث عن حب فاق حدود النفس، وامتد أثره إلى القلب، فغيَّره، وبدَّله، وأسكنه قصوراً، وألبسه ديباجاً، إذا قلت حب ،عرضت لك صورة الطفل يهوى إلى أمه ، وصورة الأم التي تجسِّد معاني الحب في أبهى صوره، دون تكلف منها كما ورد حين قدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغى إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا : لا والله ! وهى تقدر على أن لا تطرحه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله أرحم بعباده من هذه بولدها ...إذ بالحب تحنو الناقة على الفصيل ، و تعانق الأغصان جذوع الشجر،وتتمايل الأوراق لتكسو الشجر بلون الحياة .. وتلثم الفراشة الزهر .. والعش يكتنف الطائر ..
إذا قلت حب .. هبت رياح الأمل .. وأطلت نسمات النقاء والصفاء .. وسرت الدماء في العروق ودياناً.. وتهلَّلت أسارير الوجوه .. وانقشعت الظلمات .. وأقبل نور الصباح وقد اكتسى بأشعة الشمس الذهبية، عالم من الخيال، وصور من نسيج الأيام، ومعاني تضرب بجذورها في أعماق النفس، تقتلع الإنسان من دنيا الناس، إلى دنيا صنعتها..أحلامه وآماله ورغباته، وفى هذا الخضم الهائل والجيَّاش غدا الشباب الطاهر العفيف عملةً نادرةً لكنا لانُعدم وجودها ، بل ونطمح في زيادتها،
د.إيهاب فؤاد

No comments: