Thursday, September 10, 2009

وترجل الفارس




وترجل الفارس في زمن دمُ المسلم فيه هدر، وبكاؤه من الألم نغم، لكنه كان رجلاً عرف غايته، لم تلِن له قناة، ولم يفت في عضده تكالب أنظمة الجور عليه، لم يعرف الضعف يوماً، ولم يرفع للاستسلام راية، كان بقيةً من زمن جميل، ارتشف فيه من رحيق الدعوة من نبع رقراق فياض، ترجل الفارس دون أن يتمكن منه ظالم، لقد تلاشى عن العيون يوم كان للجدران آذان تسمع في العصر الناصري، لم ينل منه عبد الناصر، ولم يخضع جبهته ولا هامته إلا لله الواحد الأحد، إنه رجل فذ، وقامة عالية في زمن كثر فيه الأقزام، لقد حرَّك نبأُ موته شجوني وأحزاني، وهيَّجَ سكون نفسي، كأنني به يحدثني يوم قال لي لم أبك في حياتي إلا مرة واحدة، فتعجبت ونحن الذين استمرأنا البكاء، وأدمنَّا العويل، متى كانت هذه المرة ؟ قال يوم قررت أن أخرج من مخبأي ، يومها استشعرت أن معية الله قد زالت، ساعتها سالت عيني بالدموع وأنا الذي تحجرت الدمعة في عيني يوم مات الإمام البنا ولم أستطع البكاء، إنه رجل لا يعرف إلا لغة العمل، أنقذ الإمام البنا من أكثر من محاولة اغتيال، ذبَّ عن دعوته وضحى في سبيلها بكل ما يمتلك، لقد كانت الدعوة رئته التي يتنفس بها، في سبيلها هان كلُ شيء، وبعد أن خرج الرجل للنور، قرر ألا يتزوج وأن يمضى عمره في محراب الدعوة، لكنه مع الإلحاح تزوج وهو بن الخمسين ورزق بأبناء نحسبهم بررة، قال يوم عقد قران ابني طلبوا مني أن القي كلمة، فنظرت إلى أشاوسة أمن الدولة وقلت للناس ، إن الجالسين وراءكم كانوا لا يريدون لي الحياة، قالوا لم نستطع أن نفعل معه شيئاً والآن يتزوج ابني، أراد عبد الناصر قتلي، فأين عبد الناصر الآن وأين أنا؟

لله درك يا أستاذ نا فــــرج

قد كنت في جيل الأستاذ رُبَّانا
طفتَ البوادي وأرضَ الله قاطبةً
وقُدتَ خير دعاةِ الأرضِِ إخوانا
تروى تراثاً لنا بالعز مكرمة
وتنشر الخير برهاناً وألوانا

إنها حياة لله، حمل في قلبه وذاكرته ذخائر ونفائس، ذاكرة حديدية حتى الممات، وتاريخ طويل من الدعوة جاب بها أقطار الأرض، يحمل في قلبه روحاً وثابة، وهمةً توقظ النيام.
عزاؤنا أيها الفقيد الغالي تلك التركة التي خلفتها من أبناء بررة، ومن أجيال شربت من معين تربيتكم الصافي..
عزاء للزوجة الصابرة، وللأبناء الفضلاء، وإلى حبيب قلبي ابنه إبراهيم..
اللهم اغفر لشيخنا وأسكنه فسيح جناتك وألحقه في الصالحين...

د.إيهاب فؤاد

3 comments:

-_- said...

لا حول ولا قوة الا بالله

ابراهيم فرج النجار said...

أستاذى الحبيب د/إيهاب فؤاد
جزاك الله خيرا على هذة الكلمات
وأسأل الله ان يجمعنا معه فى مستقر رحمته
وأعاننا على حمل ما تركه لنا

د.إيهاب فؤاد said...

حبيبي إبرا رسالهيم
أحسن الله عزاك
طمني عنك وعن أخبارك